نور الدين الغيلوفي
فكرة أخرى…
تونس مهد ثورات الشعوب العربية ضدّ حكّامها.. هي قبلة الشعوب وكعبة التائقين إلى التحرّر من المستبدّين رغم ما يراد لها من نكوص.. وهي عند الحكّام العرب أرض اللعنة.. وتجد خلاصة تعبير الحكّام المجرمين عنها في عبارة لإعلاميّ سعوديّ رديء قال إن تونس هي “جمرة خبيثة”.. نعم.. هي جمرة لأنّها تحرق كلّ مستبدّ عابث بشعبه متلف لثرواته عابث بسيادته مهدد لأمن وطنه..
قد يقول قائل: إن حرص جامعة الدول العربية على الانعقاد بتونس إنّما يأتي نكاية بالثورة التونسية واستفزازا للشعب الذي دشّن طريق الإرادة لمختلف الشعوب العربية مشرقا ومغربا.. هذا وارد.. ولكنّ ثمة أمرا آخر:
جميع هؤلاء الحكام يجلسون في بلدانهم على فوهة بركان لا يُدْرَى متى ينفجر بهم.. ولا أحد منهم آمن على نفسه.. وحده الرئيس التونسي، على علاته وكثير سوءاته، جاء إلى قصر الرئاسة بعد انتخابات.. لك أن تقول في شأنها ما شئت.. ولكنّها انتخابات على كلّ حال.. ومساحة الحرية التي تعيشها بلادنا تغري المجرمين بالاستظلال بظلّها وقد منعوها شعوبهم..
وعليه:
يمكنني أن أفهم أنّ الحكام العرب القادمين إلى تونس هم لاجئون بطريقة أو بأخرى.. جاؤوا يعقدون قمّتهم مثلما يفعل المستجير.. يأتي متسلّلا.. وحدها تونس بقيت ملاذا لهؤلاء المجرمين لا يخشون فيها على حيواتهم لأنّ عجلة المؤسسات بها تعمل رغم المنغّصات المتراكمة.. فتونس باتت لدى هؤلاء “جنّة سياسية” يأتيها هؤلاء الحكام لتجريب التنفس خارج الملوّثات التي صنعوها بأنفسهم لأنفسهم ولشعوبهم من تحت أرجلهم…
وقد أذهب إلى أبعد من ذلك فأقول:
إن قمة جامعة الدول العربية إنّما هي “بروفة” ليوم تشخص فيه أبصار الحكّام فيؤتى بهم إلى برّ تونس من جديد، لا ليعقدوا قمّة، ولكن لتُعدّ لاستقبالهم محمية تشبه محمية إشكل.. يُجمعون بها مع زوجاتهم وذرياتهم.. وتُمنع عنهم كل وسائل العيش الحديثة ويُترَكون للطبيعة قبل وضع القوانين وضوابط السلوك ليكون منهم كالمختبَر الذي تجرّب فيه إعادة الإنسان إلى المرحلة البدائية.. يُترَك هؤلاء الحكّام في العراء يعيشون بين الشجر والحجر.. ويُطلب من الله أن يمدّ في أعمارهم إلى نهاية الحياة حتى يكون منهم ما يشهد على عصارة الشر في الكرة الأرضية مجتمعة.. ولا أظنّ شرّا من هؤلاء المجرمين.