قمم طاحونة الشّيء المعتاد !
فتحي الشوك
تتّجه الأنظار اليوم الأحد31 مارس 2019 إلى العاصمة التونسية تونس حيث تنعقد القمّة العربيّة الثّلاثين، قمّة من المنتظر ألا تختلف مخرجاتها عن سابقاتها في زمن صار معيار نجاحها هو مجرّد انعقادها، فهل يفاجئنا الزّعماء العرب بمعجزة هذه المرّة ويكونون في مستوى استحقاقات اللّحظة أمّ إنّ فاقد الشّيء لا يعطيه ومن ينتظر منهم خيرا كمن يلاحق السّراب أومن يترقّب في أن يحصل على عسل من بطون الدّبابير؟
قمّة الشّيء المعتاد
قمّة تونس ستكون رقم ثلاثين بعد انعقاد أوّل قمّة سنة1946، يضاف إليهم تسع قمم استثنائية وأربع قمم اقتصادية لم تفرز في نهاية المطاف سوى مزيد من الفشل والتأزّم والانحدار. صار مقياس نجاح أيّة قمّة في مجرّد انعقادها في مكانها وزمانها وفي مستوى الحضور وفي غياب التّلاسن والتّنابز بين الحاضرين وفي قدرة المتدخّلين على قراءة ورقة مكتوبة دون أخطاء فاضحة وفي بيان ختامي يحتوي على أدنى درجات التّوافق. غالبا ما تنعقد القمّة العربيّة على وقع واقع متأزّم وجهد عربي مشتّت وجسد منهك وممزّق لتبحث لها عن حلول فإذا بالوضع يزداد تأزّما والوجع يتمدّد والجرح يتعمّق.
كانت القضيّة الفلسطينية هي السّبب المباشر لانعقاد أوّل قمّة عربية في محاولة لإيجاد مؤسّسة جامعة لمجابهة الأخطار المحدقة بالأمّة، وهي حاضرة بقوّة في كلّ المناسبات، بل هي مرآة ما نعيشه من هوان ونكبات وانتكاسات كنتيجة مباشرة للفرقة والتشتّت والانقسامات والخيانات. ابتدأت القرارات بلا ولن ولم لتصبح بلى ولو ونعم، كانت الجوقة في البداية تعزف على نغمات رمي “إسرائيل” في البحر لتنتهي بالتّسليم للعدوان والظّلم والقهر.
لن تختلف مخرجات هذه القمّة عن سابقاتها بلوك تلك الكلمات المعتادة الّتي فقدت تأثيرها وبريقها، ولعلّ تكرار ما سبق وعدم حدوث سلسلة أخرى من التّنازلات يعدّ في حدّ ذاته نجاحا وثباتا وسط مخاوف من أن تكون هذه القمّة تاريخية في مستوى النّذالة والخيانة وبابا لتمرير صفعة القرن واختراقا رسميّا علنيّا لجملة الثّوابت السّابقة، وهوما يعتقد حسب ما سرّبته البي بي سي أنّه السّبب الحقيقي وراء تراجع عرّابي صفقة القرن السّيسي وبن زيد عن الحضور في آخر لحظة بعد أن أكّداه سابقا، اعتذار تمّ بعد اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري والّذي تمّ فيه رفض مقترحاتهما الّتي تشمل أيضا دعوة بشّار الأسد وخليفة حفتر وإدانة تركيا وإيران.
تنعقد القمّة العربيّة أسبوع بعد توقيع الرّئيس الأمريكي ترامب على أحقّية “إسرائيل” في الجولان المحتلّ، حيث أعطى ما لا يملك لمن لا يستحقّ تماما كما فعل حين اعترف بالقدس عاصمة للكيان الغاصب ونقل سفارة بلاده إليها، قراران لم يكن ليجرأ عليهما لولا الهوان الّذي أصابنا وخيانة المتخاذلين وفعل العابثين. ومن المحتمل حسب التسريبات أن يتضمّن البيان الختامي إدانة لمحاولة تغيير الوضع القانوني للجولان السّوري المحتلّ كما سيلمّح إلى أهمّية إيجاد تسويّة سياسية للأزمة السّورية.
كما من المتوقّع أن يتناول البيان الأزمة في اليمن والوضع في ليبيا والسّودان ليعيد ويذكّر بضرورة تطوير الجامعة العربية وتفعيل خطوات إصلاحها. ولا يُدرى إن كان سيتمّ حلحلة للأزمة الخليجية وسط مؤشّرات لمبادرات لفعل ذلك. وستنتهي القمّة كالعادة بأخذ بعض الصّور التذكارية وبأجواء احتفالية يتبادل خلالها أصحاب الفخامة والسّعادة الابتسامات والأحضان ليودّع بعضهم بعضا على أمل اللّقاء في قمّة أخرى تشهد على فشل ما سبقها.
قاعدة تتحرّك
ما يجري في القمّة لا علاقة له بما يدور في القاعدة، هكذا يبدو بعد انفصلت القمّة عن قاعدتها أو بالأحرى انتصبت وزُرعت كرؤوس غريبة على أجساد لا تمثّلها. هو اجتماع بروتوكولي روتيني لمن غالبيّتهم لا يمثّلون شعوبهم بل يمثّلون عليهم أو يمثّلون بهم، وهي مناسبة لتفعيل تضامنهم وعملهم المشترك في قمع شعوبهم وحرمانهم من الحياة الحرّة الكريمة، ومؤسّسة الجامعة العربيّة الأسيرة والمختطفة، الميّتة سريريا لم تكن سوى غطاء لتمكين وتأبيد النّظام العربي الرّسمي الفاشي الاستبدادي. لا يبدو أنّ الشّعوب العربيّة تنتظرا ممّن انتصبوا زعماء وقادة وانفردوا بالتحكّم في مصائرهم، في ممارسة لاستعمار السّلطة، أن تصدر منهم حلول لأزماتهم وهم سببها وجزء منها.
الجماهير العربيّة لا ترجو خيرا من قرارات تعلم أنّها ستكون حبرا على ورق ولن تغيّر من واقعها شيئا، وهي متطلّعة وفي حالة ترقّب لما سيصدر من قرارات حقيقية من قمم أخرى تدور مجرياتها على أرض الواقع وفي الميادين، في الجزائر والسّودان وفلسطين. لغة القمم لأصحاب السّعادة والفخامة صارت نشازا ولا علاقة لها البتّة بما يجري في قاع القاعدة الّتي جاشت مراجلها وتصاعد بخارها منذرا بانفجار وشيك وهو إن لم يقع التّدارك ومراجعة للمواقف بما يتطلّب من إصلاحات جذرية وعميقة وعاجلة قد يكون مدمّرا لكلّ البنيان. يجتمع الزّعماء في القمّة وفيهم من خان العهد وباع الذمّة، يجتمعون والأمّة تزداد وجعا وغمّة فاللّهمّ أفرجها فضلا منك ومنّة.
مدونات الجزيرة