خرافة علماء الإسلام أكثرهم عجم
أبو يعرب المرزوقي
من العلامات التي تدلني على جهل الكثير من النخب علامتان:
• واحدة تنسب إلى ابن خلدون
• والثانية تنسب إلى جل أدعياء الحداثة العرب من مليشيات القلم العربية في خدمة إسرائيل أو إيران مباشرة أو عملائهم من حكام المحميات العربية.
1. فأما العلامة الاولى فهي التي تستند إلى قولة ابن خلدون: جل علماء الإسلام من العجم.
2. وأما الثانية فالقول إن الشيعة متقدمون على السنة في الفكر والفلسفة والعلوم الحديثة.
وهذان الدعويان من خيول مليشيات إيران العربية بالقلم، أعني خاصة مرتزقة الصحافة وأنصاف المثقفين وهم من جنس مليشيات السيف الذين هم من تجار الأفيون المادي مثلما أن الأولين هم من تجار الأفيون الروحي ويشتركون جميعا في الحرب على الإسلام الذي هو سني لا غير.
وسأبدأ بالتي تبدو أعسر دحضا لأن صاحبها ابن خلدون.
وليس يمكن تكذيب شهادته وهو فيلسوف التاريخ والمؤرخ الأكثر صدقا في عرض الأحداث وتعليلها على أسس وضع شروطها حتى وإن لم يطبقها دائما كما في هذه الحالة بالذات.
وطبعا لا أكذبه في ما يتعلق بما أراد قوله وأسيء فهمه: فهو قال أكثرهم من العجم.
وكان ينبغي أن يفعل هنا ما فعل عندما ميّز بين المسميّات التي تتغير مع بقاء الأسماء.
فلما بيّن هذه الظاهرة ضرب مثال المؤدب والحجاج الذي قضى على الفتنة الكبرى أو المؤدب وأسد بن الفرات فاتح صقلية. فكلاهما كان مؤدبا أو معلما دينيا لكنه كان قائدا عظيما ومنتسبا إلى سر القوة: العصبية.
كان من المفروض أن يحدد الموقف هنا أيضا: ما القصد بالعلماء؟
أو بصورة أدق ما دور الأقلية التي ليست من العجم إذا كانت “أكثرهم من العجم”؟
إنه ما يخفيه مرتزقة الإعلام الذين يعتمدون على ابن خلدون بمنطق ويل للمصلين هادفين إلى ترسيخ هذه الكذبة المحقرة من دور العرب في العلوم بصنفيها الملي والفلسفي. وهو ما أريد فضحه.
إذن لا أنكر أن أكثر علماء الأمة من غير العرب -وأكره استعمال العجم فلهم لغتهم وهي لغة وليسوا عجما- لأن العرب أقلية بالقياس إلى الشعوب الاخرى التي نالت شرف الانتساب إلى الإسلام مثل العرب وأحيانا كانت أكثر خدمة له ولقيمه من العرب وخاصة بعد أن نكصوا إلى الجاهلية كما هم حاليا.
فنسبة الأقلية العربية إلى الاكثرية غير العربية التي أشار إليها ابن خلدون هي عين نسبة الحجاج إلى المؤدب ونسبة أسد بن الفرات إلى المؤدب. فالمشاركة في العلم لها مستويان:
1. مستوى تأسيس العلم.
2. ومستوى تعليمه وتطويره.
المؤسسون لكل العلوم في الإسلام عرب والمدرسون والمطورون أغلبهم ليسوا عربا وهم المقصود بـ”أكثرهم من العجم” في ملاحظة ابن خلدون. وكان العرب يعتبرون من الأشراف ومن تقاليد جميع الحضارات القديمة والوسيطة لم يكن الأشراف يمتهنون التعليم بالمعنى الحرفي. وإذا فعلوا، فيكون من جنس المراكز العلمية في عرض إبداعهم كما كان يفعل أفلاطون أو أرسطو.
لكن الإبداع كان من نصيبهم:
• فأول فيلسوف في العلوم الطبيعية والرياضية عربي (الكندي)
• وأول لساني عربي (الخليل)
• وأول أصولي فقهي (عربي الشافعي)
• وأول فيلسوف في العلوم الإنسانية والتاريخية عربي (ابن خلدون)
• وآخر فيلسوف عربي (ابن رشد)
• وأول رياضي كبير عربي (ابن قرة الجد والحفيد)
• وسيد الجميع ومؤسس حضارة الإسلام عربي: الرسول الخاتم ولا يدعي إبداع رسالته.
صحيح أنه رسول الله وكان معلما، ولكن ليس بالمعنى الحرفي بل بمعنى تأسيس ثورة روحية وفكرية وسياسية غير مسبوقة.
صحيح أن القرآن من عند الله.
صحيح أن الرسول لم يتنكر لأي عرق بل استفاد بمن أحاط بهم نفسه من جميع الأقوام وجميع الأديان وجميع الألوان لأن الإسلام أسس لحضارة لا تميز بين عربي وأعجمي بغير التقوى التي هي معيار التفاضل عند من كرم أبناء آدم دون تمييز.
لكن حضارة الإسلام بالذات عن هذه مزايا سياسته ذات التوجه الكوني والإنساني.
وأقول هذا لأني لا أقصد بهذا التقليل من دور غير العرب بل أريد أن أبين أمرين:
1. إنصاف العرب حتى لا يظن أن دورهم مقصور على أن الرسول منهم. فما من شعب ينتسب إلى الإسلام اليوم يمكن أن يدعي أنه يوجد في بعدي إبداعه الفكري العلمي أو الأدبي ليس تابعا للإبداعات التأسيسية التي وصفت. ولا يقتصر ذلك على العلوم بصنفيها الملي والفلسفي بل وكذلك على الفنون وأهمها الأدب وبالأخص الشعر. فإذا كان الفرس يدعون أنهم ذوو حضارة متقدمة على الإسلام وأرقى من حضارة الإسلام فليفسروا لنا علة كون شعرهم مضمونا وشكلا ليس إلا نسخة من الشعر العربي؟
فهذا كاف وزيادة لبيان التزييف.
2. وأن كل مؤسس غير عربي تلاه مباشرة معلم لما أبدعه غير عربي وأحيانا كان تلميذه المباشر أو غير المباشر:
• فالخليل تلميذه المباشر سيبويه.
• والكندي تلميذه غير المباشر الفارابي
• والشافعي تلاميذه كثر
• وابن خلدون لا يوجد باحث في الإنسانيات ليس تلميذه عالميا.
• ومحمد سيد الجميع في الإصلاح الديني والسياسي.
وطبعا سيرد أنصاف المثقفين من مليشيات القلم خدم إيران من تجار الصحافة والأعلام العرب فيقول سلمنا لك ذلك في الماضي. لكن أنظر الآن أين إيران وأين العرب. وطبعا فالمظاهر خداعة خاصة عندما من يصدق عنتريات الملالي وأكاذيبهم التي تؤيدها إسرائيل وأمريكا لتخويف العملاء بهم حتى يدفعوا الجزية.
سيقولون:
1. إيران لها صواريخ وتغزو الفضاء ولها سلاح نووي جاهز أو يكاد.
2. وإيران لها فلاسفة ومتكلمون جدد لا يشق لهم غبار.
وطبعا لن يصدقني أحد لو قلت إن تونس وهي ليست بلدا كبيرا ولا غنيا متقدمة على إيران في المجالين لولا أن نخبها السياسية ليس لها إرادة الاستفادة مما لديها من علماء ذوي مستوى لا يختلف عن علماء أوروبا في كل المجالات. ولن يصدقني هؤلاء الأنصاف أن إيران لا تزن أمام تركيا مثلا التي لها نفس العدد من السكان ودخلها أضعاف دخل إيران وليس لها بترول ولا غاز ولا تتعنتر على أحد.
وأي بلد عربي لو صلحت نخبته السياسية وبطانتها لكان أفضل بكثير وأكثر تقدما في الإنجاز التقني والعلمي من إيران. ويكفي أن باكستان الفقيرة هي التي يمكن اعتبارها مصدر ما تفاخر به إيران في مجال الصواريخ والتصنيع الذري.
ولا وجه للمقارنة بين ماليزيا وإيران مثلا. لكن المبالغة في تخويف العرب منها وخاصة أصحاب الثروات البترولية التي لم تولد حضارة بل ترفا هو الذي يحولها إلى هذه الكذبة الكبرى التي تسمى قوة إيران. وها نحن نرى بعد أن وصلت هي وإسرائيل إلى مرحلة قسمة ما تخلى عنه العرب كيف اتضح ضعفها.
تركوها تتعنتر وتمهد لهم الطريق لتحقيق استراتيجيتهم: إيران هي داعش الكبرى لها نفس الوظيفة التي كانت لداعش الصغرى. لكن النخب العربية لا تفهم استراتيجية الغرب وإسرائيل في توظيف إيران.
وليس جديدا. فقد اتضح منذ حلف الدولة الفاطمية مع الصليبية إلى اليوم: استعملوا حقدهم على العرب والإسلام.
وأختم بإشارة تتعلق بما أدعي لي به معرفة المتخصص: الفلسفة وعلم الكلام. ففي الحديث كل ما يقال عن التقدم الإيراني فيهما عنتريات. وفي الوسيط كل ما لا يتجاوز التوظيف الباطني لتأويلات لم تتحاوز المرحلة المنحطة من الفكر اليوناني. والحجة القاطعة هي ما اضطررت مرة لاستعمالها ردا على دعي.
فقد حضر مرة أحد الإيرانيين في ندوة ببيت الحكمة وحاول أن يفاخر بالقول الذي قد يكون ورثه عن اقبال شاعر باكستان الذي اعتبر الفلسفة الإسلامية إيرانية لتأثره بأرواح الشعوب الهيجلية لأنه درس في ألمانيا. فسألته هل يمكنه أن يذكرني فلعلي نسيت: هل يوجد فلاسفة إيرانيين من حجم ابن سينا والغزالي أو حتى دون ذلك قبل الإسلام؟
ولم أنتظر منه جوابا.
طبعا هو يعلم أن الجميع يعلم الجواب: لا يوجد، إذ حتى المجوسية فهي دين طبيعي شديد البساطة والسذاجة مثله مثل أديان الجاهلية. وإذن فلا معنى للقول إن الفلسفة الإسلامية إيرانية حتى لو كان كل الفلاسفة فرسا وحتى لو صدقنا خرافة أرواح الشعوب الهيجلية. فالروح التي انتجت هؤلاء الفلاسفة اسلامية حتى لو كانت تحارب الإسلام بالباطنية ويكفي أنها كتبت بالعربية.
فلغات الفلسفة والعلوم الأربع هي اليونانية والعربية واللاتينية والألمانية. ويمكن أن نضيف الآن الإنجليزية بسبب سلطانها العالمي. ولا أحد يزعم أن الفارسية أو العبرية أو أي لغة أخرى تستطيع أن تدعي ذلك. وسأكتفي بهذا حتى ألجم العنصريين ضد العرب. وليس لي قصد آخر فالإسلام لا يفاضل بين الناس إلا بالتقوى وليس بالعرق ولا بالجنس ولا بالثروة ولا بالمنزلة الاجتماعية.
فإن المدرسة التي انتسب إليها فيها بالتسميات الحديثة التي لم يكن يقرها أصحابها لما كانت الأمة واحدة فارسي (الغزالي) وكردي (ابن تيمية) وعربي (ابن خلدون) وأصلها سيد الناس جميعا محمد الذي أسس دولة الإسلام بفضل الرسالة الكونية التي لولاها لما وجد هذا التراث العظيم الذي اعتز به.