الدّستور الثّاني للثّورة

سامي براهم
بعد قراءة متأنّية لتقرير هيئة الحقيقة والكرامة يمكن القول أنّه أهمّ نصّ كتب بعد الدّستور، بل هو دستور الثّورة الثّاني رغم كلّ ما يمكن أن يكون قد اعتراه من نواقص وهنّات.
فكّك منظومة الإستبداد وكيفيّة اشتغالها في حدود ما سمحت به الوثائق والمعطيات التي توفّرت له في ظلّ عدم تعاون عدد من مؤسّسات الدّولة، اعتمد على روايات الضّحايا لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان لكن تقاطع هذه الروايات وتواترها على امتداد أجيال وعلى اختلاف انتماءات الضحايا السياسية والجهويّة والعمريّة، دون تواطؤ مسبق بينهم يعطي مصداقيّة لما وقع توثيقه من انتهاكات وملابسات ووقائع.
قدّم سرديّة موثّقة لمختلف الانتهاكات التي طالت الضّحايا على امتداد الحقب المنصوص عليها في القانون، سلّط الضّوء على مظالم فئات وجهات وحقبات منسيّة، أماط اللثام عن جرائم كبرى في تاريخ البلد، فكّك كيفيّة اشتغال المنظومة الحاكمة طيلة حقب الاستبداد “الحزب الحاكم، المؤسّسة الأمنيّة، مؤسّسة الرّقابة والدّعاية الإعلاميّة”…
ضبط تصوّرا موضوعيّا معقولا لجبر الضّرر المعنوي والمادّي يحفظ كرامة الضّحايا ويمكّنهم من موارد محدودة لجبر بعض ما كسرته الانتهاكات الجسيمة من مسارات حياة،
فكّك منظومة الفساد وكيفيّة اشتغالها وتناول عددا من الملفّات الثّقيلة، وحاول القيام بدور في التّحكيم والمصالحة في حدود الهامش الذي ما تفاعلت فيه معه مؤسّسة المكلّف بنزاعات الدّولة.
قدّم توصيات لإصلاح مؤسّسات الدّولة وضمان عدم العود، وقدّم اقتراحات لتوثيق ذاكرة الضّحايا وإدراج معاناتهم ضمن الذاكرة الوطنيّة.
لكنّ كلّ هذا العمل الضّخم اعترته عدد من الهنّات التي لا تنقص من قيمته نجمل أهمّها في انتظار كتابة مقال أكثر تفصيلا :

كلّ هذه الملاحظات لا تنقص من مصداقيّة هذا التّقرير ومن قيمته المرجعيّة والتوثيقيّة وصفته التحكيميّة التي يمكن ان تبنى عليها برامج وسياسات ومصالحة حقيقيّة ضامنة لإعادة بناء اللحمة الوطنيّة.
تقرير هيئة الحقيقة والكرامة

Exit mobile version