تدوينات تونسية

حليب الدجاج !

فتحي الشوك
دخلت الصيدلية على عجل وانا في طريقي لعيادة احدهم، كنت احتاج لتجهيز حقيبتي ببعض حقن مضادات القيء والحساسية التي قد احتاجها حسب ما تلقيته من معلومات اولية من طالب النجدة، كان المكان مكتظا بالزبائن الذين كانوا ينتظرون دورهم ويلهون انفسهم بدردشة جماعية بصوت عال كان موضوعها حسب ما تلقته طبلتا اذناي عن حادثة مروعة وقعت في باجة حيث اغتصب احدهم حتى الموت دجاجة،
كانا اثنان من يديران الحوار، احدهم كهل مستدير الوجه محمر الوجنتين مكتنز الجسم يخفي صلعته بقبعة سوداء، تخاله للنظرة الاولى انه “خواجة”، وسيدة لا تختلف عنه كثيرا سوى بحجاب تلتحفه، علمت من حديث محاورها بانها “حاجة”، كانا منسمجين في رايهما حول ما آلت اليه اوضاع البلد بعد ان اختطفه “حثالة” القوم و”خماجه”، لتنبعث من الحضور علامات التاييد ومهمهات من هنا وهناك من قبيل “اللطف يا ربي.. مالذي مازال ولم يحدث، هذه علامات آخر الساعة” ليثرى النقاش بواقعة نبش قبر الشاعر الصغير، ويتناول الامر كحقيقة برغم صدور توضيح رسمي كما تم لغزوة الدجاجة، كانت لحظات عصيبة كدت اختنق خلالها لو لم بسعفني الصيدلاني بارك الله فيه بمدي بما ابغيه لاخرج لا الوي على شيء وانا متلهف لاستنشق بعض الهواء النقي. كانت اصواتهم تطاردني كطنين ذباب عنيد استوطن جوار راسي ويابى المغادرة.
في تخوم باجة.. شاب اضناه الكبت فلم يجد سوى دجاجة.. ليغتصبها ويقضي وطره ويشبع الحاجة! ماتت المسكينة ونقل صاحب الفعلة الى احدى غرف الانعاش بعد مضاعفات اصابته ليخوض الجميع في حادثة اغتصاب الدجاجة. هل تراها كانت مساهمة في الجريمة لتعريها ولما عرف عنها من استفزازاتها المتكررة لكل الديكة بل تجاوزت ذلك بضبطها ذات مرة متلبسة باغواء ديكا روميا!
ام هي حيوانية غريزية منفلتة اصابت شبابنا بعد كم القصف والتدمير الممنهج الذي استهدفه ليحول الى اجساد نخرة تحمل عقولا خاوية وتسكنها ارواح شاغرة؟
ام تراها تلك لعنات ثورة “البرويطة” ونتيجة حتمية لجحودنا وتنكرنا لصاحب النعمة والمن والفضل، من كان يدربنا سلوكيا في قنه ليحولنا الى دجاج ابيض مسالم وقد نجح في ذلك الى حد تطبعنا بسلوكيات الدجاج، فصرنا ندج دجيجا ولا يسمع لنا سوى رقاء او قر او نقنقة اما من يصدر صقيعا فمصيره الذبح وحفلات الشواء.
تحول الخبر الى شبه قضية راي عام وليبرز ككل مرة الخبراء والمخبرون لتناول الظاهرة ويستمر الهراء حتى بعد ان تبين انها مجرد اشاعة تماما مثل اشاعة نبش قبر الشاعر، وسيستمر مسلسل الالهاء والدعاية السوداء والكذب على وقع سمفونية غوبلز وسيستمر الجمهور في تلقي الاراجيف بعد ان تعودت اذناه على الكذب ليكذب حتى من اعلن وبرهن ان ما يروج هو كذب.
كانت خواطر متزاحمة تدور بذهني طيلة مسافة الطريق نحو مبتغاي لاجد عائلة باكمها يبدو انها اصيبت بتسمم غدائي نتيجة لتناولها لدجاج فاسد حسب ما يبدو، فذاك اقصى ما صارت تقدر على اقتنائه من بروتينات، فاستعدت صورة فخامته وهو يكفكف دموع امراة امنيتها قطعة لحم منذ سنوات!
اكملت عملي لاعرج على مقهاي المعتاد حيث استقبلني صاحبه بابتسامته المعتادة وهم بان يحضر لي قهوة العادة فاشرت اليه بان يعد لي شيئا آخر من اختياره عدى الكافيين التي اختلط بها دمي.
رن جرس هاتفي فاذا بزوجتي تطلب مني ان احضر لها دجاجة، دخلت لصفحات التواصل الاجتماعي فلم اجد غير اخبار الدجاجة ليختمها صاحب المقهى وهو يمدني بما جادت عليه قريحته بان يحضره لي.. كان كأس حليب دجاج!

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock