الجزائر ليست سوريا أو اليمن !

إسماعيل بوسروال
عندما قال بومدين لعبد الحكيم عامر :
الجزائر ليست سوريا أو اليمن !
نالت الجزائر استقلالها في 5 جويلية 1961 كما هو معلوم وتولى رئاسة الجمهورية ( أحمد بن بلا)… الا انه في سنة 1965 قاد العقيد (هواري بومدين) انقلابا عسكريا أطاح الرئيس احمد بن بلا ووضعه تحت الاقامة الجبرية، لم يتقبل الشعب الجزائري الانقلاب بسهولة فقامت مظاهرات ضده الا ان الجيش واجهها باللين وحاول امتصاص الغضب الى أن هدأت الاوضاع.
وفي الخارج مثلت حركة بومدين التصحيحية كما سماها هو في 19 جوان 1965 زلزالا اقليميا وعالميا لانها اسقطت رئيسا رمزا لثورة المليون شهيد وكان اكبر المتأثرين ومما ذكره سياسيون وصحافيون عايشوا تلك الاحداث امثال محمد حسنين هيكل الذي اكد ان للرئيس جمال عبد الناصر علاقته الوطيدة بالرئيس بن بلا هذا اولا ولكن من الناجية الجيوسياسية كانت الجمهورية العربية المتحدة تعتبر نفسها “راعية” للثورة الجزائرية وهو امر ترفضه القيادة الجزائرية.
و كانت من اهم المآخذ على أحمد بن بلا هو نزوعه الى الحكم الفردي المطلق وتخليه عن القيادة “الجماعية” للجمهورية الجزائرية.
ارسل الرئيس عبد الناصر وفدا رفيع المستوى الى الجزائر لمحاولة اصلاح الاوضاع الناشئة عن انقلاب 19 جوان 1965. يقود الوفد العربي المصري المشير عبد الحكيم عامر نائب رئيس الجمهورية والقائد الاعلى للقوات المسلحة ودارت محادثات بين الطرفين العربي المصري من جهة والجزائري من جهة أخرى وكانت المحادثات بمثابة “وساطة مصرية” بين رئيس الجمهورية المطاح به (بن بلا) المعزز بالشعبية وبين العقيد (بومدين) المدعوم من (مجلس قيادة الثورة)… لم يكن الطرف الجزائري يقبل بالتدخل في شؤونه الداخلية مما حدا بالعقيد بومدين الى انهاء المحادثات بين الطرفين متوجها بالخطاب الى المشير عبد الحكيم عامر (لسنا سوريا او اليمن).
رفضت القيادة الجزائرية التدخل المصري -ولو من باب النصح او الوساطة- وذكر بومدين لمثال سوريا او اليمن لان المشير عبد الحكيم عامر كلفه عبد الناصر بان يكون مشرفا على سوريا باعتباره رئيسا بالنيابة وايضا مكلفا بدعم “الثورة اليمنية” ضد التدخل السعودي لدعم حكم الامام البدر في اليمن.
تدعمت العلاقات الجزائرية المصرية اثر ذلك على اسس الصداقة والاخوة وكان بومدين من اكبر المساندين لقضايا التحرر في العالم العربي الى جانب عبد الناصر.
مرت الجزائر بازمات عديدة نتيجة خيارات اقتصادية اشتراكية غير صائبة انتهجها بومدين وكذلك نتيجة عدم اقرار نظام ديمقراطي حقيقي اساسه (دولة القانون والمؤسسات تقوم على اسس النزاهة والشفافية)… ولكن تتوفر دولة وتتوفر لها مؤسسات قائمة وهي بصدد ان تعيش حراكا شعبيا شبيها بما حدث في سوريا واليمن ومصر.
لكن الجزائر ليست سوريا ولا اليمن ولا مصر… ولا تونس.
تقدم رئيس اركان الجيش الجزائري في 2019 بمقترحات جدية للخروج من الازمة وهو تطبيق المادة 102 من الدستور للاعلان عن شغور منصب الرئاسة.
هذا الاقتراح يختلف تماما عما حدث في 1992 الذي كان بمثابة “انقلاب عسكري هادىء”… ان الفريق احمد قائد صالح ليس الفريق خالد نزار ولا محمد العماري فهو صديق ورفيق للرئيس عبد العزيز بوتفليقة فلن يقطع الصلة مع (المنظومة الحاكمة) ولكنه يغلّب مصلحة الدولة الجزائرية والشعب الجزائري.
أرى هذا الاقتراح جيد تماما لانه يستجيب لرغبة الشارع الجزائري ولكنه يتطلب اجراءات مرافقة وهي أساسا (ضمان انتقال سلمي سلس للسلطة في اطار احترام الارادة الحرة للمواطنين من خلال انتخابات حرة ونزيهة وشفافة).
ومن متطلبات المرحلة الانتقالية للوصول الى هذا الهدف هو :
1- حوار هادىء بين مكونات الطبقة السياسية والخبراء ورجال القانون.
2- التوافق حول آليات ادارة المرحلة الانتقالية واطمئنان الجميع الى الشخصيات والمؤسسات التي ستديرها.
3- احداث هيئة مستقلة للانتخابات وانجاز قانون انتخابي مرض لمختلف الفرقاء… تشرف هيئة الانتخابات على الرئاسيات والتشريعيات والبلديات ويلتزم الجميع بقبول النتائج.
اقتراح تفعيل المادة 102 خطوة اولى للبدء في اجراءات الانتقال الديمقراطي بطريقة يهندسها الجزائريون فهم بلد المليون شهيد.

Exit mobile version