عبد القادر الونيسي
في خضم بؤس السياسة وإنهيار منظومة الأخلاق لدى غالبية النخبة تتألق جامعة الزيتونة وريثة الجامع الأعظم لتثبت أن البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه ولو بعد حين.
رفض الهيئة العلمية لجامعة الزيتونة الإنصياع لأمر قرطاج بمنح دكتوراه فخرية لمن لا يستحق يحيلنا على لحظات عظيمة في تاريخ هذه الأمة كان العالم يقف كالطود الشامخ في وجه الحاكم دفاعا عن الحق.
لم تحتفظ ذاكرة الأمة على مر العصور بمن هو أكثر علما ولا أمتن فقها بل اقتفت أثر الشجعان من أهل القلم والبيان.
لم يكن الأئمة الأربعة أعلم عصرهم ولا أكثرهم دراية ورواية ولكنهم أربط جأشا وأقوى شكيمة وأشد إقتفاء للحق وثباتا في وجه الظلمة والمستبدين. آتخذتهم الأمة قادة وأتبعت سبيلهم وأشاعت ذكرهم بين العالمين.
بقي في ذاكرة الأمة إبن تيمية الذي وقف في وجه المغول والعز بن عبد السلام الذي تصدى للمماليك وعمر المختار وعبد الحميد بن باديس وعبد الكريم الخطابي والشيخ العكرمي المشائخ الأبطال الذين قادوا المقاومة في عصرنا الحديث.
في بدايات شبابنا لم يكن الشيخ محمد صالح النيفر أعلم جيله بل لم يكن أصلا من طبقة كبار العلماء كإبن عمه الشيخ الشاذلي النيفر أو المختار السلامي أو حبيب بلخوجة ولكن كان الإجتماع عليه والفتوى فتواه والرأي رأيه بل كان هو مفتي تونس الشعبي لأن الأمة لم تكن تبحث عن العلم المتعلق بركاب السلاطين بل تبحث عن كلمة حق في وجه السلطان الجائر.
كان الشيخ محمد صالح النيفر هو من وقف في وجه بورڨيبة وتشرد من أجل ذلك سنوات طوال فما رده ذلك عن مقالة الحق وتحدي الزعيم الذي دانت له الجباه.
الشعوب تعشق البطولة وتحدي السلاطين للتنفيس عن مخزون الكبت الساكن في أعماقها.
بعد الثورة نقص الجور السياسي ولكن ظهر الجور الديني والتشريعي المتوسل بإمكانات الدولة تقوده نخبة في خصومة مع هويتها يستهدف ثوابت الأمة.
من أجل هذا تلقف الناس رفض الزيتونة الرضوخ لأمر الحاكم گأحد التجليات المضيئة الذي يحيل على لحظات الصمود التاريخية للعالم في وجه السلطان.
الزيتونة الجديدة وهي تنافح عن الضمير الجمعي وتستدعي هيبة العلم والعلماء ستجد حتما مكانا في ذاكرة شعب عريق متأصل.
“يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ”