لا تلوموا مايـــــا

نور الدين الغيلوفي
الطفل أبو الرجل
سيغموند فرويد
هذه التدوينة ليست تفتيشا في حيوات الناس ولا انتهاكا لخصوصياتهم.. هي قراءة لخطاب منطوق ونظرٌ في أحوال مشاهَدة.. ومحاولة للفهم…
لو أنّ استفتاء أقيم في البلاد حول أكثر الأسماء إثارة وتأثيرا وأعلاهم صوتا وأشدّهم قسوة وأكثرهم عنادا ومكابرة، ثمّ دُعي كلّ فرد من هؤلاء ليتحدّث عن تفاصيل حياته بلا رقيب، لعرفنا خلف تلك الوجوه حقائق تجعل من أصحابها مجرّد بشر صنعتهم ظروف حياة ووجّهتهم وقائع لا دخل لهم فيها.. ولاقترب الناس بعضهم من بعض ولبدا العراك السائد سُخْفا وجهلا لا غير…
عرض لي فيديو به حوار مع السيدة مايا القصوري تسرد فيه بعض وقائع حياتها سردًا مُفَلْتَرًا لم يبلغ درجة التداعي الحر.. فقد قالت بلسانها ما سمح به استعدادها للقول فقط أمام الكاميرا..
تابعتُ الحوار وخرجت منه بروحٍ بها إشفاق كبير عليها.. ذلك الدخان الذي يخرج من فيها وهي تتحدّث لتحرق كلّ مخالف لها إن هو إلّا دخان حرائق نفسيّة شهدتها فتاة بائسة اضطرّتها الحياة إلى يتم باكر من أمّ توفّت عمرَها قبل تمام دروها بعد مرض طويل.. وفرضت عليها والدا تخلّى عن أبوّته ولم يحتمل ما عاشه وغرق في الكحول.. وشقيقا بلا أخوّة انصرف إلى ذاته وتخلّى عن شقيقته.. ومدينة أهملتها وتركتها تعيش عجوزا في جسد صبيّة.. تلبس لباس أمّها لتذهب إلى المدرسة.. وأستاذ عربية أكلته الإيديولوجيا أتمّ عمليّة سحقها بأن شحنها بكتب ماركس ولينين ومقولات الصراع والحقد الطبقيين ونسي أن يحقنها بمضادّ حيويّ اسمه النسبيّة والاختلاف وإعمال العقل.. وذكاء منفلت شبّ في الأنحاء لا يعرف غير الحريق له فعلا مثل نار لم تجد ما تأكله…
مايا قصّة فتاة استوطنتها الأوجاع باكرا فجعلتها رُكام حطب تغريه أعواد الثقاب بالاحتراق ولا ماء في الأنحاء يبعث في الكومة حياة.. تتحدّث عن نفسها وتقول إنّها منذ صغرها لا تحبّ أن تكون موضوع شفقة من أحد وهي تدرك أنّها ليست غير موضوع شفقة…
إنّه متى عرفنا الناس عرفنا مواضعهم وأنزلناهم منازلهم وأشفقنا عليهم بدل الكُرْه.. وطلبنا لهم عيادات للتداوي لا منابر للعراك..
المرضى أحقّ بالدواء من أن يكونوا مصادر للمعرفة وأدلّة على الحقيقة…
#ملاحظة: تفصيلة لا تهمّ ولكنّها دالّة: مايا هي الأخت الكبرى ولها شقيق يصغرها اسمه صالح.. وأظنّ أنّ من يسمّي الابن صالح قد لا يسمّي البنت مايا…
والله أعلم

Exit mobile version