الجولان: جرعة أخرى من كأس الذلّ والهوان
فتحي الشوك
وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الاثنين (25 مارس 2019) مرسوما يعترف بسيادة إسرائيل على هضبة الجولان التي احتلّتها “إسرائيل” في نكسة 1967. وجاء التوقيع في بداية اجتماع مع رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض.. ولم يكتف ترامب بالاعتراف بسيادة “إسرائيل” على هضبة الجولان المحتلة، بل قال في مستهل اجتماعه بصديقه الحميم: “إن أي اتفاق للسلام في الشرق الأوسط يجب أن يتضمن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. وتعهد أمام نتنياهو بأن الولايات المتحدة “تعترف بالحق المطلق لإسرائيل بالدفاع عن نفسها”.
لعبة الكراسي:
إقدام ترامب على خطوته يوم إعلان تقرير مولر والّذي خرج منه منتصرا وكأنّها صفقة مع اللّوبي الصهيوني أعطى بها من لا يملك لمن لا يستحقّ وقدّم هديّة لا تقدّر بثمن لرئيس وزراء “إسرائيلي” في وضع حرج، قبيل انتخابات على الأبواب وعلى وقع شبهات الفساد الّتي تلاحقه.
ترامب الّذي أصابه صداع و أرق طيلة الشّهور الماضية نتيجة لتقرير كان يوحي بأنّه كان سيكون مزلزلا ومهدّدا لمستقبله استراح فجأة وهنأ باله وكأنّ ما كان يعيشه هو مجرّد كابوس ليخرج منتصرا من أزمة عاصفة لم يتخيّل نتيجتها تلك مستشاروه الأكثر تفاؤلا.
أمّا نتنياهو الّذي يعيش ظرفا عصيبا وملاحقات قضائية بشبهة الفساد وتفكّكا لتحالفاته في الحكم فقد تلقّى هديّة لم تخطر له على بال ونصرا بدون خوض ايّة معركة يضاف إلى الاعتراف السّابق بالقدس عاصمة لدولته.
هي لعبة الكراسي بين الإمبراطورة وربيبتها ولا شكّ في علويّة الكراسي على الكرّاس الّذي لا يعدو من أن يكون سوى أوراق باليّة خطّت عليها فرامانات وقوانين يضحك بها على الذّقون ويستبله بها المغفّلون من قبيل قوانين دولية ومجتمع دولي وقرارات أممية لا تبلغ قيمة الحبر الّذي خطّ بها ولا تصلح إلاّ لمسح… البلّور.
صفعة القرن:
لم يكن ترامب ليجرأ على خطوته إلاّ حين اختبر ردّة الفعل خلال إعلانه نقل سفارة الولايات المتّحدة الأمريكية إلى القدس الشّريف وخبر درجة النّذالة لدى من يتعامل معهم من مسؤولين عرب ومدى استعدادهم لكلّ درجات العمالة والخيانة، ما الّذي حدث حينها؟ لا شيء، صياح هنا وهناك وهرطقات وبعض الضراط وأمر جلل يمرّر بصمت ليصبح أمرا واقعا. فكيف يمكن تصوّر ردّة فعل لجسد شبه ميّت لم تستثره استباحة مكان بمثل تلك الرّمزية والقداسة؟
ترامب ونتنياهو يعلمان جيّدا مدى حرص الحكّام العرب على عروشهم واستعدادهم اللّامحدود للتنّازل على أيّ شيء مقابل الاستمرار في أن تلتصق مؤخّرات فخاماتهم وسعاداتهم بكراسيهم.
هما يعلمان أنّ لا شرعية لديهم ولا مشروعية يمتلكونها وأنّ وجودهم واستمرارهم يعود الفضل إليهما وبمباركتهما: ذاك ما أعلنه ترامب عندما كان يجلد الملك سلمان بكلّ عنجهية وتصلّف مطالبا إيّاه بدفع الجزية وذاك ما كان يتشدّق به نتنياهو حينما يشير إلى وفود الحجّاج العرب المهرولين للتطبيع ولاستجداء رضا “إسرائيل”.
الخطوة الأخيرة هي إحدى الخطوات في طريق تثبيت صفعة القرن لتصفية نهائيّة للقضيّة الفلسطينية بتواطئ من زمرة من الخونة والمتخاذلين أفرزهم واقع الذلّ والمهانة الّذي نعيشه.
هي نكبة تبعتها نكسة لترسّخ هزيمة في الأذهان،مزيد من الاذلال وجرعة إضافية من كأس الذلّ والهوان.
لقد أسمعت لو ناديت حيّا:
لن ننتظر من جامعة عربية هيّ ميّتة سريريا سوى كلمات التنديد الرّكيكة الّتي ألفناها ولن ننتظر من قمّة عربية سوف تنعقد في الأيّام القادمة سوى بعض اللّوم وجرد لمصائبنا المتواترة وكثير من الصّور التذكارية وحفلات العشاء. وقد يحسب في واقع الخسّة الّذي نعاصره أنّ مجرّد انعقادها هو بحدّ ذاته” نجاحا”.
أمّا عن الجانب المعني مباشرة أيّ النّظام السّوري ومعسكر “المومانعة” فلن تستثيره هذه الشطحة وهو من لم يطلق رصاصة واحدة منذ احتلال الجولان وانشغل بإبادة شعبه وإمطاره بالبراميل المتفجّرة.
لقد أسمعت لو ناديت حيـا… ولكن لا حياة لمـن تنـادي.
ولو نارٌ نفخت بها أضاءت… ولكن أنت تنفخ في الرمـادِ
تأبيد احتلال الجولان هو تأبيد لاحتلال الشعوب العربية عبر استعمار السّلطة الّذي تمارسه منظومة الاستبداد العربي الّتي نصّبتها منظومة الاستبداد العالمي. و يبدو أنّ تحرير الجولان والقدس وكلّ الأراضي المحتلّة يمرّ بالضّرورة عبر تحرّر كلّ الشّعوب العربيّة من مستبدّيها.
ويبقى الأمل:
تبدو الصّورة سوداوية قاتمة والوجع يزداد والجرح ينزف لكنّ التجربة علّمتنا انّه كلّما اشتدّت ظلمة اللّيل فذاك يبشّر بانبلاج الفجر في انتظار شروق شمس يوم جديد، هناك شعاع ضوء في نهاية الأفق وقد ينهض طائر الفينيق من الرّماد.