تدوينات تونسية

أنف سامانتا، وأنوفنا العربيّة

ليلى حاج عمر
يحضرني هذه الأيام العسيرة أنف سمانتا… وأبناء جيلي يعرفون سامانتا الساحرة الطيبة الجميلة في مسلسل: الساحرة المحبوبة. قامت بالدّور النجمة الأمريكية الفاتنة إيليزابيث مونتغومري. سامانتا التي تعيد برعشة أنف واحدة ترتيب الأمور التي أفسدتها أمّها: أندورا، الناقمة على زواجها من الإنسان الفاني. أمام كلّ الفساد الذّي أحدثه “أندورانا” نحن في حياتنا والذي ستحدثه وكلّ الفوضى وكلّ الخيبة نحتاج أنف سامانتا. حين كنت صغيرة كنت أتابع المسلسل الشهير بشغف. أدهش من قدرة سامانتا على إنقاذ الموقف في لحظة. كلّ شيء يتغيّر في لحظة واحدة. يبطل سحر أندورا. وتنجح سامانتا في درء الفساد. يا لأنفك يا سامنتا.
وفي خلوتي كنت وسط فوضى الغرفة أحاول تحريك أنفي لترتيب الأمور. ولكن لا أنفي يتحرّك ولا الغرفة ترتّب. أنفي العربي البربري الروماني القرطاجني التركي الاسباني… ابن 3000 حضارة ( كم أمقت هذه العبارة التي تلوكها الألسن. أمقت عبارة تلوكها الألسن أيضا ). أنف ثابت صلب أقنى لا يشبه الأنف الأمريكي… أنف ال 200 سنة فقط. أنف يراوغ في كلّ الأماكن ويقتحم كلّ المناطق ويجوب المدارات ويرتّب العالم وفق ما يريد. أنف غير متكلّس. ” يشمّها وهي طائرة ” فيسبقها. يسبق بالطائرات وبالقرارات.
هل المشكل في أنوفنا القديمة؟
هذه الأيام تذكّرت أنف سامنتا وأنا أشاهد محاولة ليّ عنق التاريخ هنا وأعاين أندورانا التونسية تصول وتجول وتتهدّد وتتوعّد بملء السّجون بأعدائها وتتهجّم على المتصدّين لها بعنجهيّة أندورا وصلفها وكبرها (أمامها، أندورا المسلسل طيّبة مهما تفعل) وتنقم على الثّورة التي جرّدتها من “سحرها الشرّير” واختارت الشعب الفاني على السّحرة الخالدين. أندورا الفاشية تُخرج رفات الخالدين من القبور فتقضّ نومهم وتركب الجثث وتنفخ فيها وتسقيها شراب السحرة فتتحوّل إلى زومبي يثير الرعب أينما حلّ ويصفّق لها عبدة المومياء من مصّاصي الدماء. أندورانا أشدّ فتكا. أجل إنّها أشدّ فتكا من أندورا الأمريكية. وأندورانا هنا أندوراوات. تجمعهم جميعا الرغبة في وأد القصّة الجميلة. مهرّبون ومبيّضو أموال وسياسيون فاسدون وفاشيون ومطبّلون ولصوص دولة ومثقّفون إقصائيون ونخبة سجينة وجمهور تابع وسلبي ومسكون بالحنين المرضي. يا إلهي كم يحتاج هذا الوضع من أنف كأنف سامانتا لحلحلته (أمقت هذه الكلمة أيضا) مع الأزمة التي لا تذهب والفرج الذي لا يجيء، مع القديم الذي لا ينصرف والجديد الذي لا يأتي، مع القوى الوطنيّة التي لا تتوحّد، فاهمين وبنتغابى موش راضيين نتلم، مع الجريمة المنظمة وغير المنظمة، مع الصناديق العاجزة والمسنّ الواقف تحت الحائط، مع أزمة التعليم والصحة والنقل والإعلام والاقتصاد والسياسة.. مع أزمة الإنسان. ألا يحتاج كل هذا إلى معجزة؟ وبم سنبدأ؟ ومتى ننهي ترتيب كلّ هذا؟
خارج هذا الربع، وهناك في الربوع العربية، محاولات أخرى لليّ عنق التاريخ أيضا، مآس حقيقية، صفقات وجولان عربي يوهب وتواطؤ صامت ورئيس مجنون ومارق يتكلّم باسم الربّ يبيع الأرض وحكّام يبيعون العِرض وحروب وقصف وأطفال في الشتات. وهذه المعضلات العربية لا تحتاج أنفا واحدا. إنّها تحتاج تحريك كلّ الأنوف العربيّة المكسورة والممرّغة في التراب بعد الخذلان والخيانات.
لنحرّك أنوفنا قليلا، أنوفنا التي تحجّرت وتعطّبت فيها القدرة على الشمّ والإدراك وغادرها الكثير من أنفتها فقبلت الهوان، وقبلت تحكّم القديم فيها، وقبلت التواطؤ… ربّما نعود إلى المعجزة التي عشنا، معجزة ربيع لا يصنعه خطّاف واحد.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock