محمد بن نصر
صحيح أن الثورة ارتكبت خطأ شنيعا حين راهنت على سياسة حسن النوايا. أخطأت حين ظنت أن كل من نطق باسم الثورة كان يؤمن بأهدافها وكل من داهنها تاب.
بالرغم من أنها تلقت جملة من الإشارات الفاضحة ولكنها لم تلق لها بالا. لا يمكن أن تكون مؤمنا بالثورة وفي الوقت نفسه معارضا للقصبة 2، لا يمكن أن تكون مؤمنا بالثورة وفي الوقت نفسه تنسق مع الدولة العميقة. العديد من المؤشرات كانت كافية لفهم المآلات ولكن بذرة التوافق المغشوش التي زرع نواتها الأولى النظام القديم، والتي كانت تنبئ بأن طعم ثمرتها سيكون مرا، أعمت الكثيرين.
على فكرة ليس هناك حزبا سياسيا في تونس يمتلك وثيقة مرجعية تحدد توصيفا دقيقا لما حدث في الفترة الفاصلة ما بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011. ثورة، انتفاصة أو انقلاب إداري. وبالرغم من كل ما تقدم وقد أصبح من المعلوم، تحقق أمر في غاية الأهمية والخطورة. هذه المرحلة الإنتقالية مكنتنا من معرفة هذا النسيج المتعفن، نسيج كان ينخر الجسم من الداخل فسمحت له الديمقراطية الشكلية بالظهور، فعرفنا أنفسنا على حقيقتنا. عرفنا حال الإسلاميين كما عرفنا حال غيرهم من ليبراليين ويساريين. تكشف الغطاء وتبددت كل المساحيق. لم يكن من الممكن إجراء مثل هذا الفحص المجهري لو لم تتوفر هذه المرحلة على علاتها.
أمام الشباب الوطني من أبناء مرحلة التحرير الثانية جملة من المعطيات المهمة حول هذا الطيف الكبير من ذوي العاهات بتعبير الأديب الكبير العقاد، يسمح له بإعادة تشكيل المشهد وإحالة هذه النخبة بكل أصنافها على المعاش باستثناء فئة قليلة استطاعت بحكمتها أن تفلت من براثن الفساد. نخبة في عمومها حكمت بالوكالة سياسيا وفكريا وثقافيا لا يمكن المراهنة عليها. لمجرد إثارة موضوع الإستقلال انتفضت مذعورة لا تلوي على شئ، فأخرجت منكر القول وأطلقت ما نتن من الريح. حقيقة مرة ولكن كان من الضروري أن تكشف عن نفسها حتى تكون الرهانات واقعية وحتى تبنى عملية التغيير العميقة على أسس صلبة.