الدرس النيوزلندي…
عايدة بن كريّم
منذ يومين ولا حديث إلاّ على رئيسة حكومة نيوزلاندا… تلك السيدة “الطيبة” و”الشهمة” التي ترشح تفاعلاتها وأفعالها بالمشاعر “الإنسانية” النبيلة…
هذا جميل… لكن هل تُدار مثل هذه الأمور بـ”النبل” و”المشاعر الجميلة” في عالم مات فيه “الإنسان” وتعولمت فيه المشاعر؟ هل نيوزلندا حكّاما وشعبا تتحرّك خارج سياقات العولمة واللبرالية؟ هل هم قادمون من كوكب آخر غير كوكبنا الذي عمّته الفردانية وغمرته الأنانية؟
طبعا لا…
فقط حكّامهم لديهم الذكاء والحنكة ليحوّلوا وجهة الرأي العام العالمي (الشعوب الإسلامية على وجه الخصوص) من الغضب والسخط إلى التعاطف والإستحسان.
حكّامهم لديهم القدرة والإستطاعة على الإستثمار في مثل هذه الأحداث وتطويقها لمصلحة “الوطن”…
تلك الشعوب التي يُحرّكها عقل مُواطني يستجيب بسرعة فائقة لنداء الواجب حوّلت حادثة إرهابية أنجزها مواطن أسترالي إلى ومضات إشهارية ورسائل بالجملة لمُختلف أرجاء العالم للحديث عن الإستثناء “النيوزلندي”.
تلك الشعوب بمُختلف مُكوّناتقها تقف كالبنيان المرصوص أمام كلّ ما يُمكن أن يسيء للوطن أو يُهدّد استقرار المُجتمع وأمانه… قدّمت درسا ليس في “النبل” وإنما في “المواطنة”…
رئيسة الحكومة النيوزلندية تصرّفت بذكاء خارق لحماية شعبها من ردود الأفعال الغاضبة فهي فعلت ما فعلته من أجل امتصاص غضب الجالية المسلمة وطمأنة شعبها وإعطاء صورة مزيانة عن بلدها… هي فسخت بحركات ذكية ذاك المشهد اللاإنساني والوحشي الذي مورس على أراضيها وتحت سلطتها… على مواطنيها.
هي قامت بتحويل وجهة الحديث من قساوة المشهد ووحشيته ولا-إنسانيته إلى الحديث عن نُبل وإنسانية الشعب النيوزلندي…
•••
في المُقابل شعوبنا ما تطمع بالله يصير حادث إرهابي لينهال بعضنا على البعض الآخر تخوينا وتكفيرا… وتكثر التحليلات شكون قتل شكون وكان لزم نهرول نحو قنوات أجنبية للتشهير بذواتنا واتهام أنفسنا وتعميق سوداوية المشهد… وممكن هناك من يتعمّد صناعة هذه الأحداث لتوظيفها سياسيا وانتخابيا.
شعوبنا تختلف عن الشعب النيوزلاندي بمنسوب المسؤولية والشعور بالمواطنة وحكّامنا يختلفون عن رئيسة حكومة نيوزلاندا بمنسوب الإرادة والإستطاعة على حماية صورة “الوطن”… حكّامنا تهمّهم فقط صورتهم للوصول إلى سدة الحكم حتى إن لزم الأمر يحترق الوطن…
الدرس النيوزلندي عميق جدّا… والعبرة بمن يُحسن القراءة.