"تغريدات" ترامب و"السيادة" على الجولان
أنور الغربي
من الواضح بأن “تغريدات” الرئيس الأمريكي وتصريحاته اليوم حول ضرورة الاعتراف بسيادة اسرائيل على الجولان السورية هي محاولة لابعاد الأضواء عن مواقفه العنصرية والمتطرفة وازدرائه للأقليات. خلال الأسابيع الماضية زاد الضغط الاعلامي والسياسي وحتى القضائي على ترامب ومن حوله وكان منتظرا أن يوجه الأنظار الى ملفات أخرى.
الرجل يتصرف كتاجر لا كرجل دولة والمهم عنده النتيجة والربح فأقدم على هذه الخطوة الاستفزازية واللا مسؤولة ليشتت الانظار وأيضا ليقدم هدية كبيرة لنتنياهو الذي يعاني هو أيضا من مشاكل.
ليس مهما عند دونالد ترامب أن يكون قراره باطلا وينتهك القانون الدولي والانساني مادام يخدم رسالته فهو رجل يعتبره مقربوه أنه يمثل الارادة الالهية كما يراه وزير خارجيته وعبر عن ذلك في حوار له اليوم وكذلك وصفته ممثلة بلاده لدى الامم المتحدة منذ أسابيع كما أنه يعتبر زعيما وقائدا وملهما بالنسبة لعدد من المتديين والمحافظين من البيض. ربما يزيد قرار ترامب في صورة اقراره من حالة الاحتقان والتوتر التي تشهدها المنطقة ًولا أعتقد أنه رجل يفكر في مخاطر خطوته خاصة وأنه ضمن مسبقا مواقف أنظمة عربية مستبدة خائفة من شعوبها وترى أنها محتاجة لترامب واللوبي الداعم له للبقاء والتواصل.
الغريب ليس تصريحات ترامب ولا الخطوات التي اتخذها صهره الذي سلمه ملف المنطقة للتخلص من كل المعوقات أمام “صفقة القرن” ولكن موقف دمشق صاحبة الأرض والسيادة بحكم القانون الدولي.
أعتقد بأن الشعب العربي ينتظر موقف من دمشق لا من روسيا وطهران المهيمنتان على البلاد فعليا. ندرك أن هامش التحرك محدود وسبق وأن ذكر المندوب الروسي الدائم لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين بـ “إن ما يدلي به بشار من تصريحات لا ينبغي أن يؤخذ على محمل الجد وإن ما ينبغي التركيز عليه هو ما سيقوم به بشار في نهاية المطاف”، ولكن من المهم أن يعلم الشعب حقيقة السلطة التي يتمتع بها رئيس البلاد ويخرج ليطمئنهم على وحدة الأراضي السورية والعمل على حمايتها من المعتدين والغزاة وهذا أضعف الايمان بالوطنية والشهامة العربية الاصيلة.
علينا أن لا ننسى بأن التدخل الروسي العسكري في سوريا قد تم بالتنسيق الكامل مع اسرائيل -خاصة الطلعات الجوية- وهو ما حرص الروس على التذكير به مرارا.
كنت كتبت في أكثر من مناسبة بأن الجيش السوري لن يصبح عميلا خادما لمصالح الاحتلال وبأن بشار الأسد ليس أنطوان لحد ولكن اليوم ومع التدمير الممنهج لكل مناحي الحياة في البلاد وسيطرة القرار الروسي والايراني بالكامل على القرار السياسي في سوريا وعجز “السلطة الوطنية السورية” عن التحرك من خارج الدائرة التي تحددها روسيا بالتعاون والتنسيق مع اسرائيل وفي ظل عربدة ترامب ورجاله فاني أجد صعوبة بالغة في فهم طريقة تفكير العقل السياسي الذي طالما تحدث عن الممانعة والسيادة والتحرير.
الجميع يشعر بالحزن العميق وربما العجز أمام تدمير البلاد وحضارتها ولكن الأقسى من هذا كله هو الهزيمة النفسية للعقل العربي الذي فقد السيادة والحرية ومازال يتغنى بالانجازات والشعارات و… التحرير.
لقد كانت سوريا تمثل ركنا ثابتا من أركان القوة والتوازن في منطقتنا العربية وذلك لما لها من رصيد حضاري ضارب في أعماق التاريخ وثراء ثقافي وتنوع اجتماعي ورصيد في الدفاع عن القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية فاذا بها تصبح مجرد سلطة محلية تنفذ ما يقرره الروس بالتنسيق الكامل مع أعداء قيمنا وحضارتنا -أنا أعتقد انه وجب اخلاقيا ورفعا للحرج اعفاء نظام دمشق من تبعات الممانعة ليتمكن من تحرير أرضه من الغزاة أكانوا بلدان أو جماعات أو عصابات وقراصنة.