حمّة الهمّامي رئيسا
نور الدين الغيلوفي
المعركة بين الرفيقين حمة الهمامي ومنجي الرحوي ليست على منصب الرئيس لأنهما ليسا من الحمق الذي يوهمهما بأن يكون أحدهما رئيسا لتونس يوما من الأيّام.. المعركة قديمة متجدّدة بين الوطد وحزب العمّال.. وهي في ظاهرها اختلاف فكريّ بين أطروحتين ماركسيتين وفي حقيقتها نزاع بين أشخاص حول مواقع الزعامة ومقام الزعيم.. وقد انقسم اليسار التونسي الجديد، بعد الرعيل الأوّل المتميّز الرصين، إلى فصيلين:
#حزبالعمّالالشيوعي_التونسي: الذي غيّر اسمه أكثر من مرّة طلبا للملاءمة مع الزمان.. وتحيينا للفكر مع المتغيّرات.. ولم يفعل لأجل مطلبَي الملاءمة والتحيين غير تغيير الإسم.. وتغيير التسمية في عرف الرفاق يكفي دليلا على التطوّر.. يكفيك أن تغيّر اسمك لتكون أحدَث.. وظلّ الرفيق حمّة الهمّامي هو الآمر الناهي في جميع حالات الظهور والاختفاء.. وظلّ الحزب مناضلا في شخص زعيمه وزوجته.. أمّا بقية رفاق الحزب فكانوا مجرّد تفاصيل تحوم حول المركز.. توابع لا تكاد تُرى أو تُسمع.. فعاش المركز بنضالات الهوامش في غالب الأحيان..
واليوم، حمّة الهمّامي يريد أن يوسّع مملكته ويكون زعيم كلّ العصور خالدًا مثل إلاه.. وزعيما لكلّ اليسار.
#الوطنيون_الديمقراطيون (الوطد): وهم أقسام.. وعدد الأقسام أكثر من حروف المركّب الاسمي الذي نشأ منه عنوانهم الأوّل.. لا تكاد تحصي لفصائلهم عدًّا.. زعماء كلّهم.. يكاد كلّ منتسب إلى الوطد يكوّن فصيلا يسمّيه باسمه.. لا صبر لهم على الحوار ولا قدرة لهم على التفاهم.. ولم يجتمعوا على لغة يتداولونها للحديث.. انظروا إلى نسبة الشتائم والكلام النابي في خطابهم.. ليس ذلك دليلَ قلّة تربية أو سقوط أخلاق ولكن علامة على ضعف الكفاية اللغوية لديهم.. وعجزهم عن الحوار وجهلهم بالاختلاف.. ولذلك فهم يتمزّقون دوما.. لم يفهموا من المادّة غير انشطارها.. ولم يحسنوا لهم فعلا غير فعل التمزّق..
شيء واحد وحّد الوطد في زمن الاستبدا: نومهم في حجر السلطة تحقيقا لهدفين:
الأوّل: الاستجابة لروح الانتهازية التي يتناسخونها تحقيقا لمآربهم الذاتية.. كأنّهم أكلوا محتويات سلّة مهملات الماركسية وشربوا مياه صرفها.. ولقد كان آخر وزير ناطق باسم حكومة المخلوع الأخيرة سليلًا للوطد.. ومن يعود إلى الأسماء المتصدّرة للنضال الوطدي ويحفر قليلا سيجد آثارها القديمة المخجلة.. وحتّى زعماء العمل النقابيّ منهم جاء بهم النظام النوفمبريّ ليضرب بهم النقابيين المزعجين.. واسألوا عمّا حصل في النقابة العامّة للتعليم الثانوي لمّا أراد النظام الخلاص من النقابيّ العنيد أحمد الكحلاوي.
الثاني: الدخول في شراكة مع المخلوع لاستئصال التيار الديني “الظلامي”.. فكان أن استعمل الأمن لسلخ منتسبيه واستعملهم هم لتجفيف المنابع التي يأتون منها.. فكانوا هم عناوين الثقافة الراقية في الزمن النوفمبري ومهندسي التربية الرائدة.. أناروا العقول وارتقوا بالأذواق.
تركّز حزب العمّال الشيوعي التونسي في رأس واحد هو حمّه الهمّامي ظلّ معارضا للنظام يمارس شراسته في الاختفاء والظهور.. وتعدّدت رؤوس الوطد ودخلت في جحور مختلفة تمارس أصناف اللدغ والاستمتاع في بحبوحة كبرى.
اضطرّهم التنافس السياسي الذي جاءت به الثورة إلى الالتقاء الجبهويّ ضمن الجبهة الشعبية.. وجيء بحمّة الهمّامي لا رئيسا لها ولكن ناطقا رسميا باسمها.. نطق الرجل فظهرت أعطابه الذهنية وانكشف ضعفه التواصليّ وتجلّى عجزه عن الإقناع بأفكاره فصار مصدرا للتندّر من متابعيه.. وبنطقه فقد ما كان له من بريق المناضلين وأبان في تصريحاته عن عجز جعله جديرا بالرثاء.. وصار ضعفه مغريا لعشيرة الوطد بجرّه إلى معركة يزيد بها انكشافا.. أنشب فيه منجي الرحوي أظفاره.. فبدا أعجز من قطّ عن الخربشة.. تركوه في النهاية ليكون مرشَّح الجبهة.. بلا مخالب ولا بريق…
أنا أرثي له، صادقًا.