الجمعة 20 يونيو 2025

من "نحن" ؟

أحمد الغيلوفي
قد تمُرُّ سنوات ولا التقي فيها بالتلفزة التونسية -وتلك لعمري من نعم الله-، وحين أصادفها عند حماص أو حوانتي أجد نفس الريق: وجدت مسلسلا يقدم العائلة التونسية في شكل “ممسوخ”.
تذكرت أني مرة عاتبتُ أحد الممثلين على ذلك فرد “إحنا هكه” و”الفن يقدم الواقع كما هو”. نجد عند ادوارد سعيد تفكيكا لهذه “النحن” الممسوخة. يأخذ مفهوم “تحويل الهيمنة” من غرامشي فيقول في ما معناه: خلال هيمنة النخب الإستعمارية وقع تحويل جزء من الشعوب المستعمَرة إلى تابع ثقافي واقتصادي: أُشرِبَ هذا المسخ إحتقار لغته ولباسه ودينه ولغته الخاصة واعتنق الآخر كنموذج وحيد للتحضر. هناك هيمنة للأنا الغربي على هذا المسخ الذي يقبلها باستسلام.
بعد رحيل الإستعمار الذي أوكل السلطة للتابع أصبحت هناك هيمنة تفاعلية: يُقدم المركز (فرنسا) سلوكه ونمط عيشه ومشاكله للتابع على أنها “الثقافة”، فيحوِّلها هذا الأخير، الذي يُهيمن بدوره على الأهالي بحكم إمتلاكه للسلطة والإعلام والثقافة، إلى مادة يدعي بأنها “نحن هاكه”. وهكذا يفرض المسعمر “نحنه” على التابع ليفرضها بدوه على الأهالي. إذا استقرت ثقافة أولاد مفيدة في الأذهان ستكون مسخا لمسخ لمسخ.
من أخطر نتائج الإستعمار هي تحويل الآخر المختلف لظل باهت للأنا المهيمنه. وتستطيعون إحصاء كم برنامج إذاعي وتلفزي يحمل إسما فرنسيا. الفرنسية أجمل؟ وكم من مطعم أو مقهى أو مغازة ثياب تحمل إسما لاتينيا. وضعوا في أذهان الناس أن الإسم العربي غير جدي وعلامة على “التبلفيط” وليس “classe”. أولاد الفاعلة هؤلاء هم المسوخ المُهيمن عليهم الذين يُهيمنون علينا.


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

لا شيء.. لا شيء

أحمد الغيلوفي مالذي حدث؟ لا شيء .. لا شيء.. مجموعة من الهِمّال والجهلة وبسطاء الإمكانيات المعرفية …

أتركوهم يستريحون

أحمد الغيلوفي رسالة الي أصدقائي هم لا يستطيعون أبدا أن يشكلوا نمط خطاب وطريقة تفكير إلا …

اترك تعليق