شعاران يختزلان شخصيّة بورقيبة
صالح التيزاوي
شعاران لطالما تفاخر بهما بورقيبة وردّدهما أكثر من مرّة وفي مناسبات كثيرة… أمّا الشّعار الأوّل فقوله بأنّه صاحب”المادّة الشّخمة” وأنّه سيورّثها للشّعب التّونسي. حيلة ذكيّة ليصرف انتباه الشّعب عن الثّروات المنهوبة!! ماذا نفعل بالملح والنّفط؟! فالمادّة الشّخمة تكفيه وتكفينا! وأمّا الشّعار الثّاني فقوله، إنّه ورث من سلطة الإحتلال “غبار أفراد”.
كان بورقيبة كلّما أتى على ذكر المادّة الشّخمة أشار بإصبعه إلى رأسه، ومن فرط ما عنده من “المادّة الشّخمة” ضاقت عليه دائرة المتزلّفين من حوله بما رحبت وأتى بأرذلهم “بن على” فانقلب عليه وحبسه حتّى مات وحيدا… ولم يبك عليه أحد من الذين يتباكون عليه اليوم زورا وبهتانا. فإذا كانت المادّة الشّخمة لم تحم صاحبها من غدر بن على، فكيف ستنفع شعب تونس؟
أمّا الشّعار الثّاني فقوله؛ إنّه ورث من فرنسا “غبار أفراد”. وكان المطروح عليه، الإرتقاء بغبار الأفراد إلى شعب وإلى مجتمع بشري. فماذا فعل بذلك الغبار وماذا صنع منه؟
تكشف فترة حكمه الطّويلة وسجّله في مجال الحقوق والحرّيّة، وتفرّده بإدارة الحكم، وطريقة تعامله مع مخالفيه وحتّى مع المقرّبين منه، تبوح بأنّه أراد شعبا منزوع الحرّيّة ومنزوع الإرادة، يمارس عليه سيادته ويبهره بزعامته الفذّة ويطيعه طاعة عمياء رغبة أو رهبة كطاعته هو لفرنسا.
بورقيبة أراد شعبا يهتف بحياة الزّعيم حيثما حلّ ركبه الميمون، تقوده مجموعة من القوّادين وممّن احترفوا تزوير التّاريخ، ولا يبتغي عنه بديلا في الحكم. وكم كانت تستهويه البرامج التي تمجّده على غرار: “قافلة تسير” و”توجيهات الرّئيس” والبرنامج الصّباحي “مدائح وأذكار”… تسعة أعشارها للزّعيم وعشرها لخاتم الأنبياء والمرسلين. بورقيبة لم يتطلّع إلى بناء دولة الشّعب، ولكنّه أراده شعب الزّعيم، يتغنّى مؤرّخوه وشعراؤه وفنّانوه وطلبته وفلّاحوه بخصاله الفريدة التي لم يعط التّاريخ مثلها لغيره. فهل بثقافة التّسطيح وبتسطيح الثّقافة وبتلك البرامج الهزيلة، وبشعار “ياسيّد لسياد…” تبنى الحداثة، وتشاد المصانع ويتحوّل “غبار الأفراد” إلى مجتمع وإلى شعب مبدع؟!
في دولة بورقيبة من قدّر له ووسوس له شيطان الفكر أن يستعمل المادّة الشّخمة ويفتح فمه مطالبا بالحرّيّة في التّعبير وبالحقوق الكونيّة التي تقرّها العلمانيّة التي يدّعي الإنتساب إليها، ويزعم أنّه ينهل منها، فإنّ بورقيبة وبتحريض من أصحاب الطّبل والمزمار، ينزع رأسه بما فيه من “مادّة شخمة”… كذلك فعل بخصومه من اليوسفيين والزواتنة والجيل الأوّل من اليسار المناضل ضدّ استبداده فيما كان يعرفة بـ (مجموعة بارسباكتيف) وكذلك فعل بالإسلاميين، وبالحركة النّقابيّة وبأبرز رموزها المرحوم الحبيب عاشور، وكذلك فعل بالشّعب كلّه في أحداث جانفي 1978 وأحداث الخبز (جانقي 1984).. فعن أيّ مجتمع وعن أيّ شعب وعن أيّة حداثة يتحدّث صبّابة المخلوع؟!