عبد القادر عبار
بين “الظاهرة القرآنية” لمالك بن نبيّ.. والثورة الجزائرية ّ:
1. في أخضر عَلَمها وأبيضه رمزٌ للخصوبة المادية والفكرية، وللصفا الوجداني والوطني والسلام، مع هلال الانتماء العربي، الرابض بوقار على اللونين والمحتضن لخماسية الإسلام.
إنها الجزائر التي شغلت بحراكها الثوري قنوات الأخبار العالمية.. وفرضت جاذبيتها الاحتجاجية المتميزة على المتابعين وشدت إليها قلوب الاستراتيجيين الغربيين. وألهمت المتابعين بشعارات هتافها الثوري.
2. لا أدري لماذا لإسم هذه الشقيقة في سمعي وقعٌ خاص ولها في وجداني تعلقٌ وإكبار.. ولكن أحسب إن مردّ ذلك هو تواتر تواصلي أو لمطالعاتي المبكّر والواعي مع ثلاث رموز كبيرة من أحرارها هم بمثابة ثلاث عرصات من عمرانها المعرفي والثقافي.. وهم الأمير عبد القادر الجزائري والشيخ عبد الحميد ين باديس وعملاق الفكر مالك بن نبي.
وبصراحة أقولها ولا أخجل أني لم أتعلق بمفكر كتعلقي بمالك بن نبي رحمه الله ولم أقرأ لكاتب كما قرأت له ولم أغترف من فكر رجل كما اغترفت من أفكاره.. كنت لا أشبع من تكرار تصفح ما عندي من كتبه، وكل كتبه عندي.. وهو المعروف بصاحب نظرية “القابلية للاستعمار” التي ناله بسببها الطعن واللمز من بعض من أساؤوا تأويلها.
3. مالك بن نبي في أصل اختصاصه مهندس كهربائي ولكنه اشتهر بالمفكر الجديد.. الذي أبدع في هندسة الأفكار التي أخذت من الكهرباء تياره وإشعاعه واضاءاته وضرورته الحياتية والذي كان همّه إعادة تشكيل العقل المسلم وتحريضه على الفاعلية والإنتاج بدل الاستهلاك والتكديس.
4. هذه الثورة الجزائرية التي أصبح يتعالى يوما بعد يوم هتاف حناجر وقلوب أصحابها تذكرني بالكتاب الأول لمالك بن نبي وهو “الظاهرة القرآنية”.. وذلك في تأخير موعد انطلاقتها وبروزها ثم اهتمام الناس بها ؟
فقد تأخرت طباعة ونشر “الظاهرة القرآنية عشر سنوات… كان رابضا في أدراج كثير من السفارات العربية في باريس التي طلب منها المؤلف أن يعينوه على طباعته ونشره لينتفع يه الشباب العربي ولكن لم يتجاوبوا معه.. إلى أن قيض الله له شبابا طلبة تبنّوا أمره فطبعوه ونشروه وعرفوا به ومن ثم بدأ سطعُ نجم مالك بن نبي وفاضت شهرته فملأ الدنيا وشغل الناس.
5. هذا الكتاب كان طرحا جديدا مغايرا لما سبقه من المؤلفات المهتمة بالقرآن يحمل قراءة إبداعية وتدبرا منتجا للقرآن… فلم يضره تأخير نشره… كذلك هذه الثورة التي تأخرت قرابة العقد من الزمن عن زميلاتها من ثورات الربيع العربي حتى ظن الناس أن لا ثوار في الجزائر. لم يضرها تأخرها… فعندما جاء أجلها، مدت عنقها وفاحت بريحها وأصبحت الخبر العاجل العالمي المميّز.. الذي يلتقط المتابعون كل مفرداته.