محمد كشكار
بعضُ العِلمِ الأمريكي منحازٌ لمنتجِيه، هو ليس موضوعيًّا ولا محايدًا: بعضُ الباحثينَ الأمريكان أعداءٌ للإنسانيةِ مخرّبونَ مجرمونَ إرهابيونَ! لوموند ديبلوماتيك،
ترجمة وتأثيث مواطن العالَم
عسكريٌّ أمريكيٌّ جالسٌ وراء شاشة ويقود طائرة دون طيار (un drone) وعلى بعد آلاف الكيلومترات من ساحة المعركة يطلق النار على مسلمين في الأرض، عادة ما تكون هوياتهم مجهولة قبل قتلهم . هذا المشهد أصبح مألوفًا في العراق واليمن أو في إفريقيا في إطار الحرب ضد القاعدة في المغرب الإسلامي وبوكو حرام…
باحثون في العلوم الاجتماعية يمضون كل وقتهم في غربلة المجتمعات المحلية ومراقبة الشعوب عن قرب: يجمعون المعطيات من وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي والمخابرات العسكرية على أمل الكشف عن نبضات قلب الشعوب ووجهات نظرها التي قد تقلب موازين القوى في الصراعات الداخلية والخارجية، مثلاً: الإلمام بموجة التعاطف التي برزت مع قائد متمرد، أو على العكس موجة من الكراهية لجيوش الاحتلال.
نوع من “الرادار الاجتماعي” (Le radar social algorithmique): يحلل المكالمات الهاتفية والرسائل الرقمية الخاصة ويكشف عن أهم مواضيع النقاشات الدائرة بين المدونين ويربطها بعواطفهم وميولاتهم النفسية بهدف التنبؤ بالانتفاضات الشعبية قبل وقوعها، أي المراقبة السائلة عن بعد (messenger, fb, twiter, instagram, watsap, viber, etc). يبدو اليومَ جليًّا أنه من الصعب أن تكسب حربًا نظامية أو ضد الحركات المتمردة (طالبان، داعش، إلخ.)، دون مساندة معنوية من المدنيين (الحاضنة الشعبية)، والعلوم الاجتماعية هي من تساعد الجيوش على الفوز بهذه المساندة عن طريق تجويد آليات ناعمة لإقناع الجماهير. ظهرت هذه الطريقة لأول مرة سنة 2010 في العراق حيث عُوِّضت التحليلات البشرية بتحليلات الحواسيب والبرمجيات. طريقةٌ توظف باحثين في العلوم الاجتماعية واختصاصات أخرى مثل علماء النفس والسلوك، باحثين يبلّغون عن أقل التغييرات الاجتماعية والنفسية التي قد تطرأ داخل المجتمعات المحتلة، بصفة مباشرة (فلسطين، أفغانستان، سوريا) أو غير مباشرة (العراق، اليمن، المغرب العربي)، ثم تُحوَّل المعلومات المجمّعة إلى خوارزميات، يقف العمل البشري هنا ويبدأ عمل الحواسيب وأذرعتها التقنية الطائلة أكثر من أيدي البشر.
Algorithme : Ensemble de règles opératoires dont l’application permet de résoudre un problème
انتفاضات الربيع العربي 2011 نجت من قبضة أخطبوط هذا “الرادار الاجتماعي” الجهنمي الذي يبدو أن مبرمجيه نسوا أن الانتفاضات لا تبدأ على صفحات الفيسبوك ولا على تويتر، بل تبدأ خارج الخط (hors ligne) في مناطق الظل مثلما وقع في مصر وتونس (الڤصرين، سيدي بوزيد، بوزيان، تالة، إلخ.).
خللٌ آخر ظهر في نظام القياس الذي يستعمله هذا “الرادار الاجتماعي”: وسائل الإعلام التي يعتمدها في جمع المعلومات حول الأفراد والشعوب المضطهدة لا تعطي دائما قراءة أمينة لواقع هذه الشعوب وخاصة عندما تكون محكومة من قبل أنظمة استبدادية أو محمية من قبل مصالح لوبيات مالية عالمية قوية ونافذة.
مؤسسات البحث العلمي الجامعي ساهمت وبصفة نشيطة في خلق وتطوير آليات “الرادار الاجتماعي”: عسكرةُ العلوم الاجتماعية داخل الحرم الجامعي سمحت بتوفير التمويلات اللازمة للبحوث حول علم الاجتماع وعلم النفس، وإغراءات الدولار جعلت عالم المعرفة يقبل بتحويل محاربة الإرهاب ومقاومة الانتفاضات الشعبية، مهام سيادية بامتياز، إلى مواضيع بحث علمي في التعليم العالي العمومي والخاص.
مُخرجات “الرادار الاجتماعي الخوارزمي” أصبحت سلعةً تُباع وتُشترى ومصدرًا للربح حيث يتم تسويقها لدى الشركات الخاصة، الخدماتية منها (الأمن الخاص) والتجارية (بيع الأغذية): شركات خدمات أمن المؤسسات والشخصيات. الشركات الصناعية التي تصبو إلى الاستثمار في البلدان المصنفة خطر مثل العراق وتونس والجزائر واليمن. الشركات التجارية التي ترغب في سبر أذواق المستهلكين وشهواتهم المحتملة أو المولَّدة فيهم بفعل فاعل (الرأسمالي) قصد توجيهها أو تعديلها لمصلحة رجال الأعمال. كل هذه الأنواع من الشركات تلتقي مصالحها في استلاب وعي المواطن وترغيبه فيما لا يرغب فيه عادة (rendre indispensables des besoins non indispensables).