تدوينات تونسية

وزير الإستبدال مرة أخرى

سمير ساسي
أسماء الشوارع في المدن ليست عبثية بل خيار واع يصدر عن مرجعية ورؤية ومن ظن أن الأمر خلاف ذلك فهو احمق ومن فعل ذلك عن بلاهة وسذاجة فهو أشد حمقا، المجلس البلدي للعاصمة وعلى رأسهم رئيسته سعاد عبد الرحيم لا يخرجون عن أحد هذين الصنفين والثالث أخطر إن قالوا إنهم اختاروا تسمية شارع ابن العربي بشارع صربيا لأن الأمر يصبح رؤية ومرجعية ولا أعتقد أنهم من جماعة صربيا لكن أرجح الحمق بطرفيه. 
سبق لي في روايتي خيوط الظلام أن فككت هذه الإشكالية مع بورقيبة وشوارع العاصمة وأسمته في النص بوزير الإستبدال وقد كان يفعلها قناعة وخطة مسبقة لكن وزير الإستبدال اليوم يعود من باب الحمق فلم يجد غير الصرب جزاري الأمس ورافضي تسليم قاتل الشهيد الزواري ليصفعونا بهم وقد كنا ننتظر بعد تعريب اللافتات إخراج العالم من المدينة لنرجع إليها روحها.
فقرة من خيوط الظلام :
طاف عبد الرؤوف بالمدينة يفتح عينيه خطوة ويغمضها ثلاثا فالمدينة عارية بلا ثوب وبعض الزناة يقتحمون شوارعها ويمزقون ما بقي من لباسها وعبد الرؤوف يغلب عليه الحياء فيخفض رأسه ويهزه الحزن فيلعنهم جهرا ويسب الدولة الجديدة سرا.
لا أثر للزعيم… أُبدل اسمه بآخر من هناك كما أُبدل دمع عبد الرؤوف بدمع جاف لا يرسم.
وزير الاستبدال في الدولة الجديدة نشيط وذكي يحرص أن ينجز عمله قبل النوم أبدل العرب بالغرب والجامعة بالحلف لكنه نام قبل أن يبدل المستوطنين الفرنسيس بالفلاحين التونسيين وترك الجندرمة تحفظ الأمن إذ أتعبه السهر، تركهم ولم يعطهم تصاريح السفر بالقنطرة ألى بياش الرهيب فمنعت الجندرمة حامليها من العبور حتى كانت النكبة الثالثة ولما أفاق نظر في عيني عبد الرؤوف ورأى حزنه بعد النكبة وشوقه إلى الزعيم فقرر أن يخفف عنه وأبدل إسم الزعيم باسم منداس…
سار عبد الرؤوف في الشارع المسمى باسم منداس ينط من هنا وهناك يضع يديه على رأسه ويغطي وجهه حينا آخر كأنه يتقي مطرا لم ينتظره… سبح بعبد الرؤوف خياله بعيدا فظن أن منداس الأن واقف حيث كتب إسمه في أول الشارع في الزاوية العالية منه يرسل بوله على العابرين…
شارع الحرية طويل كطول بياش، منطلق مثله منفتح من جهتين كأنه يريد أن يعبر عن إسمه لكنه ليس رهيبا مثل رَهَبِ بياش الذي لم تصله القنطرة لانشغال الدولة بأمورها حتى غضب وفعل فعلته بعبد الرؤوف وبالتلاميذ وبكميون الجيش الهرم…
لم تأت القنطرة إلى بياش الرهيب فبقي حرا منطلقا لا يحدّه شيئا ولا تقيّده القنطرة.. أما شارع الحرية فأحاطت به شوارع من جانبيه وبقي فاغرا فاه ينبعث منه بعض نسيم من إسمه يضيع في الزحام. وقف عبد الرؤوف في آخر الشارع، طاف أوله وآخره ولم يشعر أن الشارع يلقي عليه شيئا من إسمه، اشتد ضيقه وبرم بمكانه فاتخذه ظهريا.. كان الشارع محاصرا على يمين عبد الرؤوف بشارع مدريد يليه شارع لندن وأمام عينيه يقف ثامر تسنده من خلفه عن شمال عبد الرؤوف باريس وعن يمين ثامر روما…
ارتمى ثامر في أحضانهم جميعا حتى يشم نسائم الحرية التي يبعث بها الشارع المقابل له حيث يقف عبد الرؤوف الآن ظهريا ينظر إلى ثامر.
لا حرية إلا من هناك من مدريد ولندن وباريس وروما… قال الحبيب للحبيب ورماه بينهم واقفا ينتظر، تحول بينه وبين عبد الناصر سفارة الفرنسيس الذين جاؤوا من قبل إلى هنا وحاول ثامر ومن معه إخراجهم، كان صالح معهم لكنهم طردوه وأجبروه على الخروج ليبقى ثامر وحده وسط تلك المدن التي تبعث بالحرية في صناديق كميون جيشها الجديد يعبر الأرض لا يحبسه غير الجبل، هناك يرمي حمولته كلها جيشا وعتادا وصناديق محشوة بالحرية تختلط وتذهب مع صدى الريح في الجبل.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock