مباراة الجزائر واحد.. واحد
نور الدين الغيلوفي
أنا متفائل جدّا
لم أسمح منذ 17 ديسمبر 2010 للخوف بأن يتسلّل إلى خيمة نشرتُ بها روحي للنسيم بعد جفاف أقام بها عمرًا..
حين أجول بين حروف اللغة العربية أشهد أوجاعا ومآسيَ وآثاما وإجراما.. فى كلّ زوايا لغتي الجريحة.. ولكنّني متفائل..
العرب أمّةٌ قاطرةٌ تسير على سكّة الأحزان منذ اكتشفت السياسة وتفرّق دمُها بين قبائلها.. ولكنّها أمّة تعتصم بأمل لم يأت بَعْدُ، ولولا انتظارها لما أصرّ عليها البقاء.. ما أصبر أمة العرب على الانتظار.. حتى صارت تقنع بانتظار الانتظار.. وظلّت غارقة في الجَور تنتظر العدل..
والعدل للعرب كشمس تراكم دونها الضباب.. ولكنّها تظلّ شمسا.. ويظلّ نورها أملا يداعب الأبصار…
في الجزائر ثورة.. ومثلما أبدع الشعب الجزائري ثورة أسطوريّة ضدّ احتلال فرنسيّ استيطاني بعد صبره الطويل هاهو يبدع ثورته الثانية ضدّ وكلاء الاستعمار الفرنسي بعد صبر أطول.. عصابة سرقت ثورته الأولى وأفسدت الآمال بديمقراطية مغدورة تحت وصاية دبّابة قاتلة.. وأهدرت الثروات وخرّبت البلاد.. عصابة تشتغل بتدوير الفساد وتغيير تسمياته وتلميع الفاسدين وقد لبسوا أقنعة من “شرعية التحرير”…
نزل صانعو بوتفليقة في ترتيب أمروهم عند إرادة حراك الشعب الجزائريّ.. وتظاهروا بالتسليم له بما يريد: التخلّي عن العهدة الخامسة انتخابيّا والذهاب إليها بالتمديد تحت ذريعة حماية الوطن والحرص على منَعته.. وما قدرت عليه العصابة من لغة خشبيّة ما عاد طفل بالجزائر يصدّقها…
حيلة العصابة لم تنطل على الجزائريين كما فُعل بالمصريين من قبلهم.. العسكر لا يبني دولا.. إذا خرج من ثكناته صار مفسدة مطلقة.. ككلّ شيء تجاوز حدّه.. جيوش عميلة تحرس الشعوب تحمي منها أعداءها مخافة أن تبلغَ إراداتِها وتكنسَ ما بقي من أحذية صُنعت خارج الأوطان ليدوس بها جُنود الوطن أبناء الوطن…
الجزائريون فهموا الحيلة وفكّوا طلاسم الزيف.. وأعلنوا تحقيق أهداف ثورتهم بإرادتهم تحت حراسة سلميتهم وبمراقبة من وعيهم وفطنتهم وبعِبَرٍ مستخلَصةٍ من الدول الأخرى.. ولعلّ معتوه مصر قد زاد من توجّسهم لمّا أرسل إليهم بنصيحته المسمومة.. “حافظوا على بوتفليقة حتّى لا يحصل لكم ما حصل لليبيا وسوريا واليمن”..
المباراة بين الشعب الجزائري والعصابة المتحكّمة لا تزال في بداياتها.. نتيجتها إلى حدّ الآن هدف في مرمى العصابة لقاء هدف في مرمى الشعب.. وقد بلغت المباراة ثلاثين دقيقة فقط من عمرها كما جاء في تعبير رشيق للإعلاميّ الجزائريّ القدير محفوظ درّاجي.. والنصر للأذكى والأطول نَفَسًا.. وليس أطول من نَفَس الشعب الجزائري العظيم…
قدر الشعوب العربية أنّها تجاور ثعابين تنافسها أوكسيجين الوطن.. وتحارب جيوشا من العكساكر والسياسيين والمثفين والإعلاميين تحرّكها ّأجهزةٌ مواقعُها خلف الضباب.. لذلك فالثورات في بلاد العرب معارك معقّدة لا يظهر من جبلها غير ذروته…
كلّما أطفأ المجرمون شمعة أوقدت الشعوب في أنحائنا فانوسا.. وسينقشع الظلام.. ولو بعد حين..
ولو كره المجرمون.