عايدة بن كريّم
قبل الثورة الجرائم والأمراض والآفات والأهات والإغتصابات والإعتداءات والتجاوزات وتبوريب الطرابلسية وباندية عائلة بن علي كلّها كانت تتكتم وتتغطّى وتتخنق… ما نشوفوهاش وحتى كيف نشوفوا بعينينا نموتوا بقلوبنا وإّلي يحلّ جلغته يكون مآله كما عدد من المُدوّنين والإعلاميين الذين ابتلعهم “الحوت الكبير”…
شكون كان يتجرّأ يحكي على الفساد وعلى الصفقات المشبوهة: على سيارات الإسعاف التي دُفع ثمنها وما جابوهاش والأدوية التي يُعطيها الإتحاد الأوربي في شكل هبات ويقرطسوها الصحاح ويبيعوها للصيدلية المركزية بالمليارات. المُعدّات الطبية التي تدخل للمستشفيات على الورق ويصحح عليها المُدير ومسؤول المغازة ويقبض المُزوّد بالعملة الصعبة ويكون نصيب المواطن من الصفقة صبع الوسط… والموتى إلّي يقبضوا في الشهاري.
والمعدّات غير المطابقة للمواصفات جايبينها من الشنوة وعاملين لها “emballage” مضروب ومفكترينها على أساس أنها من “CE”… جمعتين وياكلها الصديد… هذا كله شفناه وعايناه لكن ما حليناش جلغنا. لأننا كنّا خايفين.
كنّا مرعوبين من رئيس الشعبة ومن الشيخ ومن عيون زوجة رئيس الشعبة ومن قوّادة التجمّع والبوليس السياسي المعشش في كلّ تركينة. كنّا نقضي أمورنا بالرشوة وبالجعالة وبالترهدين والكاباس بخمسة ملاين ورخصة تاكسي بثلاثة ورخصة لوّاج يفكّوهالك بعين تضحك وبعين تبكي… وحتى زوجتك وإلاّ بنتك كان هي سمحاء تخاف عليها من الطرابلسية.
أما بعد الثورة حتى لمّا تعثر نعجة في هنشير اليهودية يعملوا لها طاولة وكراسي… حتى شيء ما عاد يتخبّأ والناس ما عادش تعدّي لا كبيرة ولا صغيرة… بفضل الفايسبوك والإنترنت تهزّ المكبّ وتعرّى المستور…
بعد الثورة المدوّنين ولّوا مركّزين مع كلّ شاردة وواردة وأصبحوا يمارسون سلطة خامسة… يضغطوا ويخوّفوا ويفضحوا وينشروا وأصبح لهم تأثير كبير في وُجهة الأحداث…
الواقع لم يتغيّر وهذا الهمّ موش هابط من السماء متاع الثورة.. لا لا نفس العفن ونفس الفساد لأنّ الفاسدين لم يرحلوا والعقلية هي هي… فقط أحنا تغيرنا وتحرّرنا وتجاوزنا مرحلة الخوف… ولاّت جلغنا محلولة وما عادش تتسكّر. وعينينا تلقّط المحمّص.
ولهذا بعد الثورة خير… لأنّ الفساد يخاف من الكلمة الحرّة والفاسدين ما ينجّموا يخدموا كان في الظلام والعفن ما يعشّش كان في المياه الراكدة…
بعد الثورة خير لأنّنا عرفنا “الورثة” التي تركها بن علي… واكتشفنا إلى أي مدى وصل الفيروس المسرطن…
دردروها تو تصفى…
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.