إرهاب الساحر الأبيض
فتحي الشوك
هجوم إرهابي فظيع يستهدف مسجدين بمدينة كرايست تشيرش النيوزيلاندية أسفر في حصيلة أولية عن سقوط عن ما يقل عن 49 ضحية و50 جريحا بينهم نساء وأطفال، ليس في الأمر ما يستدعي القلق وقد ينقل الخبر على هامش الأخبار وقد يبحث للمنفذين عن أعذار، فالمجرم أو المجرمون مسيحيون بيض والضحايا كالعادة ملونون مسلمون، فلم تنتظرون أن يتهافت زعماء العالم إلى العاصمة النيوزيلاندية كما فعلوا في هجوم شارلي ايبدو وكيف تتوقعون أن تظهر حملة تضامنية من قبيل “نحن نيوزيلاندا”!
قتل متعمد مع سابق تفكير و ترصد:
وصف أحد المنفذين للهجوم وهو “برينون تارانت” نفسه بأنه “رجل أبيض عادي” وهو الشاب ذو الثمانية والعشرين عاما قام بما أقدم عليه للحفاظ على مستقبل قومه ويقول في بيان أصدره على الانترنيت أنه أراد أن يظهر للغزاة أن بلاده لن تكون بلادهم أبدا؛ وأن أوطانهم ملكهم مادام هناك رجل أبيض لا يزال حيا.
المنفذ قام بتصوير مشهد المجزرة وبثها مباشرة، وفي تدوينة سابقة هدد بهجومات مشابهة مركزا على إسطنبول لاسترجاعها تلبية لنداء آيا صوفيا.
منفذ العملية رجل أبيض من أصول أوربية، لم يبلغ بعد عقده الثالث ويبدو أنه لا يعلم أنه في أقصى الحالات لن يكون إلا أحد المنتمين إلى الجيل العاشر من المستوطنين الأوروبيين الذين وطئوا أرض نيوزيلاندا منذ أربعة قرون أو أقل.
فأول من وصل نيوزيلاندا من الأوربيين كان الهولاندي ابل تسمان سنة 1642 وقد يكون ذلك بمساعدة المسلمين والاسطرلاب العربي، ليتبعه البريطاني جيمس كوك سنة 1768 ليتوافد بعدها المبشرون المسيحيون مع بداية القرن التاسع عشر.
الماوريون هم السكان الاصليون لتلك البقعة النائية الواقعة جنوب شرقي استراليا والمتكونة من جزيرتين رئيسيتين وارخبيل متكون من 600 جزيرة صغيرة، تبلغ مساحة نيوزيلاندا قرابة 268021كم مربع بتعداد سكاني يقدر بخمسة ملايين نسمة، ثلاثة أرباعهم من اصول اوربية و15 % منهم سكان اصليون والبقية من اصول مختلفة. كانت نيوزلاندا شبه مخفية ومحمية من عبث الانسان وتدخله الفج لتفقد ثراءها الطبيعي منذ ان وطئها الساحر الأبيض، المتمحور حول ذاته والمصاب بجنون العظمة. ساحر ابيض لا يطئ ارضا الا وافسدها باسم التحديث والتحضير، تلك العناونين الخداعة المخفية لنهمه التوسعي والمنكر لوجود الاخرين، فالماوريون يعتبرون محظوظين امام ما اصاب الهنود الحمر من ابادة في امريكا التي اسست على عقيدة تعتمد اسطورة الاصطفاء والاستثناء، فهذا رئيسها جينسون يبرر تلك المجازر بانها حالة من حالات الانتخاب الطبيعي للبشر وبأنه بدون ملاحقة الهنود الحمر كان من العسير انشاء تلك الامة، تماما كما برر ميناحيم بيغين مجازر دير ياسين، وذاك روزفلت يعتبر السكان الاصليين مجرد حيوانات مفترسة قذرة، كان التخلص منها ضرورة لارساء الحضارة، وشرط ذلك محو البرابرة في نفس سياق ما عبر عنه هرتزل في تعريفه للصهيونية بأنها استحكام محصن امامي للحضارة الغربية ضد برابرة الشرق.
تلك عقلية المحتل الاوربي في توسعه الفاشي الابادي للاخرين. الساحر الابيض منذ ان استلم مشعل “الحضارة” وتقلد القيادة سفك من الدماء ما لم تسفكه البشرية جمعاء في كل تاريخها، باسم التحديث والتنوير، فباسم اجمل المعاني ترتكب غالبا ابشع الجرائم.
الاسلاموفوبيا الصاعدة:
تتصاعد في السنوات الاخيرة خصوصا بعد هجمات 11 سبتمبر نزعة عنصرية شوفينية مقيتة تطال الاجانب خصوصا المسلمين منهم وكأن ظاهرة الارهاب المصطنع استدعيت لضربهم. فالارهاب الذي لا لون له ولا دين اختلق لجعله اسلامي محض، حتى ان صفة العملية الارهابية لا تطلق الا بعد التأكد من ان من وراءها ملتح او يكبر او له علاقة ولو جينية بالاسلام، وبالتوازي مع ذلك فان داعش صنيعة مختبراتهم ومخابراتهم غير مقصرة في القيام بما يتطلبه المشهد، فهي تتبنى اية عملية حتى ولو كانت حادثة لانفجار اسطوانة غاز في مطبخ، ومشايخ السلاطين يجتهدون في تقديم الاسلام في اسوا صورة منفرة يمكن تقديمه بها والسلاطين انفسهم يحذرون اصدقاءهم ومشغليهم من دين مفخخ هو عبارة عن قنبلة موقوتة وجب الحذر منها، وهم الذين يمارسون ارهابهم على شعوبهم ويستغلون شماعة محاربة الارهاب للتنكيل بمواطنيهم، ليدعمهم الغرب المنافق ما داموا في خدمته.
هم بعض العشرات من المسلمين الذين لن تجدوا لهم بواكي لينضموا الى قافلة الملايين من الضحايا هنا وهناك، في فلسطين، وسوريا واليمن وافريقيا الوسطى والعراق ومصر وليبيا والصين وفي سجون المستبدين المسلمين ففي بلادهم تنتهك حقوقهم وتسفك دماؤهم بدرجة تفوق ما يقع في بلاد “الكفار”.