نموت نموت و يحيا "وطنهم" !

فتحي الشوك
خلال أسبوع، تعرّض وطني لهجمة جرثومية بشعة، طالت أجمل ما فينا، زهور وزهرات تعرّضت لقصف جرثومي مكثّف، جراثيم ميكروسكوبية طبيعية وأخرى ماكروسكوبية بشرية، وكأنّها حالة وباء وأمامها عوض التشخيص واتّخاذ الإجراءات اللّازمة لمواجهتها وحصرها يساعد البعض في تغلغلها وانتشارها متحوّلين إلى نواقل جرثومية.
طفولة مستهدفة:
15 رضيع خدّج كانوا ضحيّة تعفّن جرثومي استشفائي، هي من أشرس الجراثيم الّتي تكتسب مناعة ضدّ المضادّات الحيوية المعروفة لكنّها غالبا ما تكون نتيجة لخلل ما في شبكة الوقاية ومقتضيات التعقيم والنّظافة، حادث قد يحدث في أيّ مركز استشفائي وكان من الممكن التّعامل معه بطريقة طبيعية، لكنّ الارتباك الشّديد ومحاولات طمس المعطيات تخفي شبهة الفساد.
لجنة تحقيق شكّلت على عجل فيها شبهة الانحياز وعدم الحيادية وجثامين رضّع يسلّمون إلى أهاليهم في صناديق كرتونية ورئيس دولة يعقّب على الحادثة المأساوية بأنّ الأهمّ هو تلك المدرسة القرآنية.
وشيخة إفتاء من الزمن النوفمبري التّعيس تضع إصبعها على الدّاء وتشير إلى مسؤولية وزارة الشّؤون الدّينية فبميزانيتها الّتي لا تتجاوز جزء من سبعة عشر من تلك الموفّرة للصحّة كانت السّبب في البليّة.
25 حالة وفاة نتيجة الحصبة في جهة القصرين مع إصابة لقرابة 580 طفلا، تفشّي في شكل وبائي لمرض اعتقدنا أنّه زال يكشف هشاشة المنظومة الصحّية، دون نسيان حالات تفشّي التهاب الكبد الفيروسي والقمّل والجرب في زمن اعتقدنا أنّ زعيمهما قد طردهما بلا رجعة.
20 طفلا اغتصبتهم جرثومة ماكروسكوبية بشرية يسعى كهنة المعبد على أن يجعلوه ممّن تمتّع بالعفو التشريعي العام ويروّج لذلك من مرفق عام ندفع له كرها لينقل إلينا جراثيمه وينشر تفريخاته الورمية.
27 حالة تسمّم في المهدية نتيجة لحلوى مشبوهة تروّج بعلم الجميع كما الزّطلة وحبوب الهلوسة.
السّماء تمطر بماء من نار لتقصف زهرات وأزهار وبذور قبل أن تصبح أشجارا.
أطفال يعلّبون في صناديق مع قرب كرنفال الصّناديق، وطن يستهدف في مستقبله وأجمل ما فيه ليحيا أسوأ ما فيه.
تموت الطّفولة وتقدّم قرابين على عتباتهم المدنّسة وحطبا في معاركهم التّافهة.
أزمة قيميّة:
في أسبوع واحد تتالت المصائب ليعمّ الحزن وينتشر بسرعة انتشار الفقر وضنك العيش والجهل، تلك ضريبة ثورة “البرويطة” كما يروّج البعض وللمصادفة تتزامن الضّربات مع قرب موعد الانتخابات: انتخابات ديمقراطية السّوق الموجّهة بقوانين السّوق، الّتي حتما سيحسمها الصندوق: صندوق الموت أو صندوق به بعض الفتات.
أسبوع كان مليئا بالأخبار السّيئة الّتي يبدو وكأنّها تطرد بوادر لأمل لاح في الأفق، كظلمة مستعجلة بثّت في الأجواء مع انبلاج شعاع من الضّوء في مساحة العتمة، لا شكّ أنّ حراك الشعبين السّوداني والجزائري كان مربكا لأعداء الشّعوب والحياة ففي اعتقادهم أنّ الرّبيع تحوّل فعلا إلى خريف وأنّ الخطاف قد طار ولن يعود فإذا بالجسد ينتفض من جديد.
هل نعيش أزمة ؟ نعم، لكنّها ليست وليدة اللّحظة بل محصّلة ونتيجة لعقود من التخبّط والفساد والإفساد في مناخات الاستبداد، والتدمير الممنهج للإنسان سياسات تهميش وتجهيل وتفقير ومنظومات فشل لم تراكم سوى الفشل.
هي أزمة قيّمية بالأساس، لينكر البعض ذلك وليستمرّ في هدم حطام ما بقي من القيم.
وطنهم و وطننا:
وطنهم الّذي يريدون، ممالك حصرية وجمهوريات ورقية ملكية وأدوات استبداد داخلي بالوكالة عن آخر خارجي، وطن لا يشاركهم فيه أحد، اسطبلات يفعلون فيها ما يريدون ويكفي لمن فيها من الدّواب أن يتواجدون ويأكلون برسيما ويتنفّسون.
وطنهم وطن ميّت، “وثن” تقدّم في معبده قرابين المستضعفين لينعم الكهنة بحفلات الشواء ويسكرون بدماء ودموع وعرق المسحورين المستبلهين.
نموت نموت ويحيا “وثنهم” هذا ما لقّنونا على مدار السّنين لكنّ ما أثار حفيظتهم أنّ صحوة حياة دبّت في الجسم العليل وبداية وعي تدغدغ العقول سلّطوا عليها كلّ أساليبهم للإلهاء والتخدير ومارسوا معها كلّ فنونهم في سحر العيون والضّحك على الذّقون، لتبقى بالرّغم من كلّ قصفهم المكثّف فكرة حيّة متوهّجة تخالها تكاد تنطفئ لتشتعل من جديد.
وطنهم الّذي يرسمون وطن من كرتون كأيّ فلم كرتون، صندوق من الورق سريع الالتهاب مملوء بالقاذورات والعفن.
وطننا الّذي نريد، وطن حيّ بمواطنيه، يحملون همّه ويتشاركون فيه، قيمته في قيمتهم وحياته بحياتهم.
وبين وطنهم ووطننا تدور معركة وعي هي طويلة وقاسية.
لن نموت نموت ويحيا “وطنهم”، سنحيا ونحيا ويحيا وطننا.

Exit mobile version