مهدي مبروك
أستحضر أحيانا قدرة البعض على حشد الرأي العام وتعبئته في قضايا ما حتى أنها سرعان ما تتحول إلى قضية رأي عام ويتم اختيار أشكالا معينة من النضال لأجلها: مظاهرات صاخبة، إحتجاجات عنيفة، محاصرة وزارات ومؤسسات ومقرات، رفع قضايا… لا شك أن الأسباب موضوعية ولكن من يجعل منها قضية نبيلة، “تنبيل” القضايا هذه وتعبئة الرأي العام واستهداف أشخاص ومؤسسات ورمزيات ذاتها باعتبارها مسؤولة ليست مسألة عفوية… لا يخلو ذلك من توظيف وتلاعب “manipulation” مهما كانت عدالة القضية ونبلها الأخلاقي…
قضية الأطفال المعتدى عليهم مؤخرا في صفاقس لا تقل فضاعة عما سجل سابقا بل تفوقها جرما ووحشية ومع ذلك ظلت ردود الأفعال خافتة… الرأي العام في جزء كبير منه ضناعة ما.
الرأي العام هو جلدتنا الاجتماعية التي تزرع فيها حساسيات ما أحيانا بشكل “مبرمج”.
هذا ما انتهيت إليه تقريبا بعد قراءة كتاب ممتع يعاد اكتشافه وتشغيله حاليا لفهم واقع الرأي العام في ظل النزعات الشعبوية والتحكم فيها المتنامي. إنه: “The spiral of silence/public opinion our social skin” لمؤلفته الالمانية “Elisabeth Noelle Neuman”، هذا الكتاب الصادر في أواسط التسعينات في لندن وشيكاغو وبرلين والذي ترجم لأكثر من لغة والذي أعيد طبعه مرات أخرى يقدم رغم بعض التنسيب والتحفظ مفاتيح ممكنة لفهم الرأي العام وتشكله وأحيانا التلاعب به.
لما يلوذ الرأي العام بالصمت والهمس أحيانا وينفجر ويصرخ في حالات أخرى والحال أن القضايا واحدة تقريبا. الإعتداءات الوحشية على الأطفال مثالا؟ لا شك أنكم تستحضروا عشرات الحالات من قضايا متطابقة كانت فيها ردود أفعال الرأي العام مختلفة…؟ سنقول الإعلام يصنع الرأي العام طبعا… الأمر أكثر تعقيدا لو طرحنا من يصنع الإعلام… أصلا؟ أطروحات حرية الإعلام والمهنية والهئيات التعديلية ومواثيق الشرف غير قادرة على الإجابة. إجابة شافية عن هذه الأسئلة..