كمال الشارني
العسكر في الجزائر متحمسون للتغيير وحتى للديموقراطية نفسها التي تتنافى منطقيا مع وجود العسكر، لكن حماسهم مقتصر على رجال من داخل مؤسسة السلطة دائما كما هي عقيدة العسكر المحافظة دائما، فهم تاريخيا وعقائديا يعتبرون أنفسهم الورثة الشرعيين للثورة الجزائرية وحراسها أيا كانت انحرافات البعض منهم، لقد كانت مسألة الحكم في الجزائر تاريخيا خليطا من النضال والكفاءة العسكرية، حتى جاء الجنرال الشاذلي بن جديد الذي صنع ثروة الجنرالات وفسادهم أيضا،
لكن كل ما يهم الجنرالات اليوم هو أن يحسن الرئيس القادم الوقوف عند حدوده ويجد طريقة سحرية للانتقال الديموقراطي دون الإضرار بهم، مشكلتهم أنهم لم يجدوا بعد الموظف المناسب لذلك، وهم يتحسرون أنهم لم يخططوا لذلك، وعذرهم أن حروب الجيش والمخابرات والمصالح لم تترك لهم الفرصة، لقد خسروا معارك وكسبوا أخرى منذ اغتيال مؤسس المخابرات الجزائرية “قاصدي مرباح” في 1993، ثم اغتيال مدير مخابرات الشرطة الرجل الغامض “علي التونسي” في 2010، وفي جويلية 2018 تمت إقالات كثيرة وإعادة ترتيب عالم السلطة لصالح الجيش أي الرجل الأكثر وفاء للرئيس بوتفليقة جنرال الألوية قائد الأركان “أحمد قايد صالح” ابن باتنة عاصمة الأوراس، صانعة الحكام والجنرالات في منظومة التحرير، إلا أنهم الآن في حيرة كبيرة إزاء ما يسطره في الشارع الجزائري،
من الواضح أن العسكر اتعظوا من غيرهم وقرروا أن لا يقترفوا جريمة معاداة الشارع ويعملون على عدم سقوط قتلى أيا كانت خسائر الشرطة، لكنهم يعتقدون أنه لا أحد يمكن أن ينجح في قيادة الجزائر من خارج المنظومة العسكرية، هو أصلا لن يفهمها، وفي كل الحالات، سيجد أجيالا من أبناء الجيش حوله، ولن يقدر على فعل شيء من دونهم، فقد صنعت السلطة على المقاس العسكري منذ ما قبل استقلال الجزائر، وسيكون على الجزائريين أن يعيدوا اختراع الدولة وعلاقتهم بها، هذا سيحتاج وقتا طويلا لا يتفهمه الشباب الهائج الذي يخترع كل يوم طريقة جديدة للتعبير عن تلهفه للانتقال الديموقراطي، لكن الإنسانية أكبر من منطق الجيش المحافظ، أيا كانت المبررات، الله يستر الجزائر.