علي المسعودي
انقضت اليوم بضعة أيام منذ الثامن من مارس، ومع ذلك مازلت أسمع أو أقرأ بعض التبريكات والتهاني… ولكني أحسب أن المناسبة قد انتهت فعلا.. فقائمة الأعياد الأممية لحسن الحظ قليلة العرض كثيرة الطول !.
الآن وقد انتهت الاحتفالات بالعيد، يمكنني الحديث عن المرأة بعيدا عن فولكلور الأمم المتحدة وخطابات الرؤساء المستبدّين والمنتخبين، واستثمار الحركات النسوية في احتفالية لا تفعل غير التشكيك في جنس النساء بشكل مهين !
أنا لا أرى يوم المرأة العالمي إلا مفارقة، محاولة فجّة لهدم معنى النوع البشري ذاته.. فالرجل كممثل شرعي ووحيد للإنسانية ها هو يحتفل بسلسلة من الأعياد من بينها عيد الشجرة وعيد المرأة !.. التي هي من بين أشيائه وممتلكاته.. لا أفهم الأمر إلا على هذا النحو.
إن أطول الحروب الأهلية على مدار التاريخ هي حرب المرأة مع الرجل، حربٌ من أخطر أسلحتها وأكثرها خداعا دعاوى الحبّ.!
فتاريخ المرأة مع الرجل هو تاريخ مليء بالدسائس والمؤامرات والحروب الظاهرة والخفية.
وتاريخ النوع البشري، في بعده الجنساني هو تاريخ طويل من الصراع على الملكية وأدوات الانتاج.. يأخذ صبغة المصارعة الحرة والضرب في كل المواضع وخصوصا تحت الحزام، صراع له جولات، لا ينتصر فيه أحد الطرفين بالضربة القاضية بل بالنقاط.
في أغلب جولات التاريخ البشري كانت المرأة ملكية خاصة ووسيلة إنتاج، وكانت المرأة قنّا جميلا والرجل هو الاقطاعي صاحب العرض والأرض.. واليوم دخلنا تقريبا في طور سطوة المرأة حيث تتقدم حثيثا إلى دور الاقطاعي الذي يمتلك الرجل كوسيلة إنتاج !.
أما الحركات النسوية التي تنتشر كالفقاقيع هناك وهنا، فهي ليست سوى مقدمات لبزوغ فجر عالم جديد، عالم تستحوذ فيه المرأة على كل شيء.. مثلما كان قد فعل الرجل !
والحركات النسوية ليست في جوهرها سوى منظمات نقابية ثورية، تحاول أن تراكم مكتسباتها النضالية من أجل أن تقلب الطاولة على “سي السيد” الآمن في غفلته..
•••
– حدثني عن الحبّ أيها الرجل، حدثني عن أجمل شيء بين أنثى وذكر !..
– هل سألتني عن الحب، سيدتي المناضلة النسوية ؟؟.. عفوا، هذا سؤال مخادع.. كيف تسألينني عن الحبّ، والسؤال نفسه إحدى تكتيكات الحرب ؟ تاريخنا المشترك، عزيزتي، هو متوالية من الحروب التي لا تنتهي، هل يجوز الحديث عن الحب في زمن الكوليرا ؟..
أليس من الأفضل أن نعقد اتفاق سلام، قبل ذلك، فقد يجلب السلام بعضا من حبّنا الضائع في أساطير الغرام ؟
أليس من الأفضل أن نبحث عن علاقة سويّة تجمعنا عوضا عن رغبة التملك الدائم واختزال الآخر إلى حد العدم ؟.. وهل يمكن للحبّ أن يكون إلا نتاجا لعلاقة سوية، تقوم على الاعتراف المتبادل بالسيادة والجسد ؟؟
سيدتي الكريمة، لا بد من الاعتراف بأن مشكل الجسد الأنثوي مازال حاجزا بيننا وبين الانعتاق، وبأن سوء فهمه من كلينا هو لبّ المسألة والعلّة الأولى للمعنى الشمولي “للطلاق”.. بالأمس كان هذا الجسد يُستباح ُ و يُغْتصب، واليوم، وبعد استعادته من الأسر بفضل نضالكن أصبح سلعة تُباع لآخر من رغب !. نعم، المرأة قارعت ظلم الرجل لتكون لها قيمة، وقد انتصرت.. ولكنها للأسف هي مجرد قيمة سوقية، ككل بضاعة في سوق عرض وطلب !..
أليس من الأجدى أن نُحيّد الأجساد، وأن نتحد معا من أجل هدم السلعنة وثقافة المتاجرة بكل شيء.. وأن يكون الجسد منا هديّة للآخر وليس وسيلة إبراء للذمم ؟ عندها فقط يبدأ حديثنا الجاد ّ عن الحب، وعن شيء اسمه اتحاد وتلاق لا طلاق..
إعتقادي أن عجز الجنسين عن فعل الحبّ هو إثم بدأ مع بدء الحياة، ولولاه لما قامت حروب ولما كتبنا تاريخا حواشيه تقطر بالدماء.. هل تصدقين أن علاقة يحكمها الحبّ تنطوي على هذا السواد ؟ بالطبع، لا..
وهل تصدقين أن نقابية، كأنت، قد تكنّين محبّة للرجل، أي رجل . وأن الرجال قد يحبّون نساء، أيّ نساء ؟
كل هذا هراء في هراء.. فمنطق الحرب غالب على أمرنا.. ومازلنا، كما كنّا، أعداء متنكرين بقناع أصدقاء !..
ودعك من قصص الحبّ الشهيرة، فهي ليست سوى قصص وأساطير طريفة، اختلقناها من أجل أن نحتمل مآسي هذه الحرب الطويلة !.
اكتشاف المزيد من تدوينات
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.