فتحي الشوك
أثار إستنجاد أحد أساتذة الفيزياء بآية قرآنية في مسألة قدمها لتلاميذه ردود فعل متشنجة ليصل الأمر إلى استجوابه، فما الذي يجعل صنيعه يستفز فيهم ردة فعلهم البهيمية ويثير فيهم كل هذه الدرجة من الحساسية؟
فيزياؤهم و كيمياؤهم.
كان اختيار الأستاذ للآية 125 من سورة الأنعام “فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴿١٢٥﴾ موفقا وفي محله وهي آية ذهل أمامها جهابذة الفيزياء وكانت سببا لإيمان بعضهم وقد استعملها في معانيها الظاهرة المباشرة، فماذا لو تعمق وأبطن والتجأ للرقميات ؟
الفيزياء بكل فروعها كدراسة للأشياء، للحركة وللسكون هي فيزياؤهم ومجالهم وهم من يخبرون قوانينها، أما ما أقحمه ذلك الأستاذ من كلمات عربية دخيلة في نص فرنسي بديع فهو من قبيل الشعوذة والدجل، فالقرآن مهما بلغت درجة قداسته عند العامة الغوغاء المغيبة والجاهلة لا يرتقي إلى أن يستعمل كحجة في مجال علمهم الصحيح، هو فقط كلمات تستعمل كتعويذات وخرافات أسطورية تعشعش في أدمغة لم ترتق إلى مستوى وعيهم.
القرآن كما يرونه يجب أن يحصر ويحاصر ليلقى ككلمات خشبية ميتة من فوق منابر خشبية، يلقيها أموات ليتلقاها أموات.
لهم الفيزيقيا ويكفيه أن تركوه في مجال الميتافيزيقيا.
تصوروا مثلا أن يكتفوا بالصمت تجاه هذا التعدي على مجال يعتبرونه حكرا على عقولهم النيرة، وهذا المس بقداسة آلهتهم، فيقدم نفس الأستاذ أو غيره بإقحام القرآن في الكيمياء أو في الرياضيات أو في علم الاحياء، كيف وهم يريدونه ميتا يخاطب أمواتا؟
هي فيزياؤهم وكيمياؤهم وعلم احيائهم وعلومهم وعلمهم وما عدى ذلك فخرافات وتراث ملوث وجب التخلص منه للتحرر والإنطلاق في ركب الحضارة والتقدم لنلحق مثلا برواندا التي سبقتنا بسنوات ضوئية بعد أن كنا نسبقها بأشواط، سبقتنا لأنها متصالحة مع معطيات أرضها وتاريخها في حين يصر من رمانا في بئر التخلف على أن يستمر في صدامه مع سيرورتنا.
هم يحاربون الكلمات.. التي ستبقى حرة طليقة غير قابلة للحصر أو للطرد، ويحاربون بظلمتهم الأنوار والله متم نوره ولو كره الكافرون.