صاحبة الشرعية الوحيدة

عبد اللطيف علوي
اجتمع كلّ أعضاء الجسم ذات يوم بعد أن لاحظوا أنّ الأمور لا تسير على ما يرام، بسبب التعارض بين رغبات الأعضاء، فقرروا أن يختاروا ديمقراطيا من يتولى القيادة. وقد وقع شبه إجماع على تكليف القلب بذلك لأنه أقل صرامة من العقل وأكثر تفهما وإنصاتا لرغبات كل عضو، كما أن حياة باقي الأعضاء متوقفة على استمراره في الإشتغال وغيرها من الحجج القوية التي قدمها المدافعون عن أحقّيّته بهذا المنصب الجليل.
وللإحتفال بتنصيب القلب حاكما ديموقراطيّا منتخبا، أعدّت مأدبة فاخرة على شرف جميع الأعضاء وأكل الجميع ما لذ وطاب من الطعام… لكن لم يمض وقت طويل على نهاية الحفل حتّى بدأت الفضلات تتكوّر في الأمعاء، وشعر الجسم بالرّغبة في التّغوّط، فتوجه للمرحاض. لكن المؤخرة أعلنت عن الدّخول في إضراب عن العمل ورفضت الاستجابة، محتجة على تفضيل القلب عليها، وهي الأكبر حجما والأعظم شأنا والأكثر تضحية في سبيل الآخرين.
تدخل أغلبية الأعضاء للتّفاوض معها، ولكن دون جدوى، فقد أعلنت أنها ستخوض إضرابا مفتوحا عن العمل حتّى يتمّ تمكينها من الحكم، وأنّها ليس لديها ما تخسره وأنها ستستمرّ في النضال حتى استرداد كرامتها والانتقام ممّن يحتقرونها. وهكذا أصبح باقي الأعضاء تحت رحمة هذا الإضراب الخطير؛ ومع مرور الوقت جحظت الأعين حتّى كادت تخرج من محاجرها، وانتفخت الأمعاء وصارت على وشك الإنفجار، وفقد الدّماغ القدرة تماما على التركيز، ووقف القلب عاجزا أمام هذا الوضع المأساوي، وسرعان ما أجمع كلّ الأعضاء على فشل القلب في القيام بمهامّه الجسيمة وطالبوا باستقالته… وفي الأخير خضع الجميع للمؤخّرة حفاظا على الصالح العام وقبل القلب التنازل عن الحكم. وهكذا أصبحت المؤخرة صاحبة الشرعية الوحيدة أمام القلب وأمام العقل، وتحقّقت نظريّة الرّفاق القائلة بأنّ البنية التحتية هي التي تتحكّم في البنية الفوقية.
#عبداللطيفعلوي

Exit mobile version