أفيون الإيديولوجيا
محمد بن نصر
عندنا في تونس بعض الإعلاميين والسياسيين كلما مر أمامهم إسم تركيا انتفضوا كأنما أصابهم مس من الجن. لماذا كل هذه الحساسية المفرطة ضد تركيا؟ الغريب أن تركيا التي أصبحت مكروهة إلى هذا الحد، كانت لزعيمهم الذي غدروا به حيا ثم أحيوه ميٌتا، مثالا يُحتذى. ما السبب يا ترى الذي جعل المعشوق منبوذا؟
بإيجاز شديد، لقد أزعجهم أن ينبعث الإسلام، الذي أعلنوا وفاته بعد أن أحالوه على الشيخوخة، جامعا بين التدين والتنمية ومؤلفا بين النهضة والدين. أقلقهم أن يسجل اسمه في دفتر بناء المستقبل وقد جعلوه رسما من الماضي. سيتآمرون على تركيا وقد تآمروا وسيسعون للإطاحة بتجربتها، وسواء نجحوا في ذلك أم فشلوا فلن يفلحوا في فسخ ما انطبع في أذهان الشعب التركي عن تجربة حكم الإسلاميين، تجربة رفعت رؤوسهم أمام العالم، تجربة لا تخلو من سلبيات ولكن لا مقارنة لها مع تجارب من حكم قبلهم، تجربة بنسبة نمو برقمين على مدى سنوات عدة وتقدم في كل المجالات.
مشكلتهم أساسا مع هذا الإنطباع الإيجابي وهذا المخزون النفسي المغذٌي والدافع للأتراك لحماية هذه التجربة والذي من شأنه أيضا أن يجعل المسلمين يأملون في تحقيق تجارب مماثلة استئناسا بالحاضر وليس اغترابا في الماضي. انطباع يتناقض مع الصورة التي يروجونها صباحا مساء عن الإسلام. تلك هي حقيقة مشكلتهم مع تركيا وكل ما يدّعونه دون ذلك طلاء للتعمية عن هذه الحقيقة.