لأضع قدمي
عبد الرزاق الحاج مسعود
لا أعرف أوّل من وضع فكرة الحكومات الكثيرة في الأرض
فيحدث كل هذا الزحام على كمية التراب القليلة فيها
لو أعرفه أخنقه
هل عليه أن يجعل الحياة هنا بكل هذا السخف
فيقف الناس طوابير طويلة أمام مكاتب الحالة المدنية
ليسجلوا أسماء مواليدهم المكرّرة منذ ظهور الأسماء
ويحفظها هؤلاء من كثرة تكرارها
كما تحفظ القطط والكلاب المنزلية أسماءها وتلتفت حين تسمعها
ثم يشرعون في تهجية اللغة التي يلوكها أهلهم وأشباههم الكثر
ولو كانت لغة ثارات بعيدة
ثم يبدؤون استعداداتهم الحادّة للحرب القادمة
فيردّدون بلا كلل أغنية وحيدة في المدارس والمناسبات
ويسمّونها نشيدا وطنيا
ثمّ يرتدون أزياء موت يسمّونها بزّات عسكرية
ويهرولون في صفوف دقيقة رافعين أصواتهم بصراخ قوي
يقذفونه في وجه الهواء بحماس أبله
ويتوعّدون من يقترب من مساحة ترابهم الضيقة.. يسموّنها وطنا
وكلّ حكومة قلة
تحكم الكثرة الباقية
فقط لتنفرد بالأطعمة الألذّ والأسرّة الكبيرة والسهر الطويل
فيغضب بعض البقية ويحتجّون على القسمة الظالمة
وينجحون أحيانا في قلب القسمة على رأسها
فيصبحون القلة
وتنضم القلة الأولى إلى البقية الكثيرة
وتمتلئ السجون
فتوفّر شغلا كثيرا لحرّاس كثر لا يبيتون مع زوجاتهم لمنع المساجين من الهروب
ولو تركوهم يهربون لهجّوا إلى صحراء خالية من حكومة
ويكتب الصحفيون تقارير بأخطاء لغوية كثيرة
ويملأ المحامون والقضاة بأزيائهم المضحكة قاعات فسيحة يسمونها محاكم
ويكتب الشعراء قصائد سخيفة حول الحرية والنضال والتضحية والبطولة والمجد
وتمتلئ المطابع بكتب لا يقرؤها إلا المضطرون لامتحان الحصول على أوراق تثبت مرورهم بالمدارس والجامعات
في كلّ هذا الزحام السخيف
لا أجد شبرا صغيرا
أضع فيه
قدمي.