إنّني أخاف على الجزائر
عبد اللطيف علوي
لطالما كان لديّ انحياز عاطفيّ رهيب تجاه ذلك الشعب الّذي عشت على حدوده، وعايشت أحداثه وثقافته، ولطالما اعتبرته شعبا عملاقا تحكمه فصيلة من الأقزام.
تنبّأ الكثيرون بأنّ الجزائر ستكون إحدى المحطات الدامية للربيع العربي، لكنّ شعبها كذّب تلك التوقّعات لأسباب كثيرة، أهمّها التجربة المريرة التي عاشها في ما سمّي بعشريّة الموت.
صبر الشّعب الغضوب، وكتم غيظه ونزقه وكبرياءه، من أجل الحفاظ على بلده وأمنه واستقراره. لكنّ الجنرالات أمعنوا في إهانته، لم يلتقطوا رسائل التحضّر والوطنيّة التي بعث بها إلى كلّ العالم، وإنّما فسّروها على أنّها رسائل مذلّة وخنوع، وبالغوا في إيذائه وإهانته، بأن كتبوا عليه أن يحكمه ميّت! ميّت بكلّ المقاييس، تعتاش من جنازته أوليقارشيا حزبية وعسكرية وماليّة ضاربة في عروق السّلطة منذ الاستقلال، وتعتبرها ملكا خاصّا محرّما مدى الحياة.
اليوم بدأ المارد الجزائريّ يتململ وينتفض ضدّ الإهانة.
إذا لم يستفد حكّام الجزائر من دروس الربيع العربي ولم يعرفوا كيف يتعاملون مع شعب شديد الخصوصية مثل الشعب الجزائريّ، فإنّ انتفاضته إذا حدثت ستكون شيئا مخيفا ومختلفا جدّا عن كلّ ما عرفه العرب،…
بإمكان الكثيرين أن يدعوا الله أن يبعد عنها رياح الثّورات، وأن ينجّيها من كلّ آت…
لكنّني لا أعتقد أنّ هذا الدّعاء يتّسم بأدنى درجات المعقوليّة والعقلانيّة، لأنّ الأمر محسوم تاريخيّا ومنطقيّا وأكاد أقول، حتّى بمنطق الفيزياء السّياسيّة…
العرب لا يعيشون في أوطان حقيقيّة كبشر مكرّمين، يشعرون بقوّة الانتماء وقداسة الأرض… العرب يعيشون في مستوطنات وسجون ذات أعلام وحدود تسيّرها شركات احتكار بالبوليس والجيش وجباة الضّرائب وتجّار الرّقيق…
كبت الحرّيّات واغتصاب السّلطة وسرقة خيرات البلد واحتقار الشّعوب وحكم الجنرالات، كلّها أسباب لا تؤدّي إلاّ إلى نتائج معلومة ومحتومة مهما ظنّ البعض أنّه يمكن تفاديها لعام أو لعقود أو لأجيال…
في النهاية، الشّعوب تختار مصيرها… وقد يحترق الآلاف في طريقهم إلى الحرية كالفراش على ألسنة النّار المقدّسة، لكنّه قدرهم، مثلما هو قدر الفراش منذ ملايين السّنين…
أخاف على أمّتي الحبيبة… كم أخاف عليها!
لكنّي أخاف عليها أكثر أن ترضى بلقمة العيش الذليلة، وتتنازل عن حقّها في الحياة!