اللامبالاة بالإعدامات، كيف نفهم دلالتها الإقليمية والدولية ؟
أبو يعرب المرزوقي
ليس كل الشباب الذين يعدمهم النظام المصري إخوان.
ولا أحد يجهل ذلك في مصر.
والمشكل هو لماذا مجرد وصفهم بكونهم إخوان يجعل الغالبية تسكت؟
ولأعمم السؤال: هل لو يحدث ما يشبه ذلك في تونس ألسنا سنرى نفس الموقف فيكون الوصف “إخوان” كافيا لجعل موقف الرأي العام في الداخل والخارج كذلك؟
وهذا يصح في مصر ليس على موقف العلمانيين والقوميين والمسيحيين فحسب، بل وكذلك على الأصناف الثلاثة الأخرى من الإسلاميين:
• الصوفية
• وسلفية المداخلة
• وغالبية نخبة الأزهر التي لها شبه مركز في مؤسساته حفظا لهذا المركز علما وأن الأزهر كان آخر شيوخه الخذر حسين لأن البقية كانوا “خدما” للنظام.
وليس قصدي بنفي أن المعدومين ليسوا اخوانا أني اعتبر اعدام الاخوان أمرا شرعيا، بل أعني البحث في علة أن هذا الوصف كاف لإسكات من ذكرت أو جل من ذكرت خوفا أو طمعا.
هل هذا شهادة من الجميع أن المقاومة الوحيدة الموجودة هي من الإخوان؟
هل معنى ذلك أن الإسلام في مصر لم يبق له مقاومين إلا هم؟
وهل يعتقد المصريون حقا أن الاخوان إرهابيون؟
بل وأن مصر فيها إرهابيون غير السيسي وجماعته ومموليه من الثورة المضادة ومسانديه من الذراعين -إسرائيل وإيران- ومن يحميهما ضد عودة المسلمين إلى دورهم في الإقليم؟
أليس سكوت النخب المصرية التي تدعي التقدمية علته حربهم على هذه العودة الممكنة؟
إذا انطلقت من تونس وحددت من أيد فيها السيسي وانقلابه، فإن الجواب على هذا السؤال الاخير هو: نعم. فكل من ايدوا السيسي في تونس هم أعداء الأمة عامة وعروبة تونس وإسلامها خاصة.
وهؤلاء الأعداء هم حثالة القوم وأغلبهم من قوادة الداخلية سابقا مهما ادعوا من اليسارية والقومية والتقدم والتنوير.
وتجربة السنتين الأوليين بعد الانتخابات الأولى التي شاركت فيها تثبت أن إسلاميي تونس من غير التابعين للنهضة لم يكن موقفهم من النهضة مختلفا عن موقف إسلاميي مصر من الإخوان: كانوا على الأقل موضوعيا حلفاء من كانوا يسعون لاستئصالها. وهم في الغالب مخترقون من السلفية الجامية ومن تشيع التقية ومن التصوف الذي هو ذراع التشيع الخفية في كل البلاد الإسلامية ليس الآن فحسب، بل منذ أن أصبح يدعي التفلسف ويحاكي نظرية الأيمة المعصومين.
لا أحد بمعصوم بمن فيهم الرسول إذا ما استثنينا وظيفة التبليغ والتذكير.
وما يعنيني ليس أحداث القتل العمد من مافية تحكم مصر فهذا أمر ليس جديدا لأنه بدأ منذ خمسينات القرن الماضي. وهو لا يختلف عما يجري في سوريا مثلا إلا بكونه لم يصل إلى الحرب الاهلية التي نراها فيها. وهو بهذا النسق قد يؤول إلى ما عليه الامر في سوريا. فالمظلوم مهما صبر لابد لغضبه أن ينفجر.
وإذا حسبنا الامر في مصر فلعلنا ننتهي إلى أن الاخوان أقلية لأن الجماعات الدينية الأربعة الباقية تمثل الاغلبية فضلا عن ادعياء الحداثة الذين يمكن اعتبارهم ممثلين لعشر الشعب وهم بأغلبيتهم الساحقة ضد الإسلاميين أيا كان لونهم رغم قبولهم الحلف مع الأربعة أصناف الطوائف وخاصة المسيحية بسبب التمويل الخليجي ومن أجل الإطاحة بالإخوان.
والسؤال هو: إذا كانت الصوفية والازهر والسلفية الجامية والمسيحيين والعلمانيين جلهم بل وغالبيتهم الساحقة مع النظام، فما الذي يحوجه لهذا القتل النسقي والمتعمد بتهمة الانتساب إلى الاخوان وتهمة الإرهاب؟
اليس ذلك دليلا على أن الأمر كله خدعة لتصفية المعارضين منهم جميعا تحت هذه المظلة كما يفعل أي مستبد وفاسد يبدأ بجمع الحثالة من حوله لضرب الافضال ثم “يدور” عليهم الواحد بعد الآخر حتى لا يبقي إلا الخلص من مافيته ليحكموا “وحدهم”؟
وهل يعقل أن يكون المصريون بهذه البلاهة فتنطلي عليهم حيلة السيسي وأعداء مصر لإفراغها من كل مقاومة ساعية لتحقيق شروط الحرية والكرامة لشعب يخضع من سبعين سنة لمافية عسكرية متحالفة مع كل أعدائه في الداخل والخارج من أجل مص دمه وتخريب شروط بقائه المادي والروحي بصورة نسقية ودائمة؟
وما أقوله عن حسبان قوى مصر السياسية الدينية -الصوفية والجامية والأزهر والمسيحية- قد لا يكون مثله موجودا أو على الاقل موجودا بهذا القدر في تونس فإن المآل إليه ليس مستبعدا لأن الاختراق الذي ألاحظه في حركة النهضة مهول ومخيف رغم غفلتهم وقد يصبح الخلص من أهلها مطاردين مثل الاخوان.
وأقول ذلك لأني من خارج الأحزاب ألاحظ أن كل الطوائف التي تدعي اليسارية والقومية والليبرالية والسلفية والصوفية والشيعية المعلن منها والمتقي كلها ليس لها من عدو في خطابها غير النهضة تماما كما يحدث في مصر حيث كلهم لا عدو لهم غير الاخوان: فما السر يا ترى وهم أقلية في هذه الحالة؟
وما أظن أحدا يمكن أن ينازعني في دعواي أن ذلك ليس محض خيال إذ يكفي أن تسمع خطاب الغلاة منهم حتى تعلم أن ما يسمونه البيان رقم 1 هو تعبير عن انتظار مخلص من النهضة تماما كما حصل في مصر وهذا الانتظار ليس داخليا فحسب بل هو خارجي كذلك اقليميا ودوليا وقد بدأ بالجزائر في القرن الماضي.
اعتقد أن ما يجري حاليا لم يبدأ مع الربيع بل بدايته الحقيقية كانت في سوريا (حماه) وفي الجزائر وليس جديدا.
والجديد الوحيد أنه أصبح استراتيجية نسقية وليس ضربات متفرقة وكأنه محض صدفة ومعركة قطرية في حين أنه الأن صار معركة إقليمية بل وعالمية ومصر وليبا والهلال واليمن دليل كاف وزيادة.
ويبدو أن الأمر ماشٍ إلى ما بدأ به: لكأن عشرية الجزائر لم تكن إلى تمرينا أوليا للتدرب على الحرب النسقية على شعوب الإقليم وخاصة على صمود ثقافتها الإسلامية التي لم يعد أحد يستسيغ صمودها ومحاولات العودة إلى دورها بدأ بجل نخبها أو حركييها الذين لم يغادروا مع “الأرجل السوداء”.
أعيد مرة أخرى ما سبق أن وصفت به ما يجري: ليس الأمر معركة سياسية فحسب بل هو صراع حضارات داخلي يؤيده صراع حضارات خارجي.
بعض النخب الحاكمة في مجالات الحياة الخمسة أي السياسة والمعرفة والاقتصاد والثقافة والرؤى أصبحت بالجوهر معادية لثقافة الشعب المعتبر انديجان وهي استعمار داخلي.
ورغم أنهم أقلية فإن السند الخارجي من الثورة المضادة -بعض أعراب الخليج- ومن الذراعين إيران وإسرائيل وممن يسندهما روسيا وأمريكا وبعض الأوروبيين الخائفين من عودة المسلمين للتاريخ كل هؤلاء هم الذين أعلنوا الحرب على الأمة وثقافتها بعد شعورهم بأنها بدأت تتعافى وتطلب حقوقها كبشر.
هل يريدون دفع الإسلاميين إلى معاملة هذه الأقلية الحمقاء من أمراء الحرب السياسية فيصبحوا مثلهم استئصاليين دفاعا عن أنفسهم ما قد يؤدي بلاد العرب إلى حرب أهلية لن تتوقف حتى يقضي أحد الطرفين على الثاني وهو ما يتمناه أعداء هذه الأمة؟
أليسوا بذلك يؤدون خدمة لهؤلاء الأعداء وهل يشكون في أنهم في النهاية سيخسرون هذه الحرب لأن الأعداء لن يحموهم كما فعلو في الجزائر سابقا وفي جنوب فيتنام وها نحن نراهم يستعدون لترك افغانستان بعد سبعة عشر سنة من الحرب الأهلية والسند الغربي الذي خسر الحرب وبدأ يفر بجلده.
ولا شك في أنهم سيضطرون للفرار من سوريا والعراق وباقي بلاد العرب فأمة الإسلام لا تهزم أبدا.
لم أقل شيئا عن الشباب الذين أعدموا ظلما. فكلامي لن يغير من الامر شيئا. بل حاولت أن افهم علة السكوت المحلي والاقليمي والدولي وخاصة الاباتي التي يعاني منها الشعب المصري إزاء هذه الجرائم بدأ برابعة وختما بهذه الاعدامات والسجون التي امتلأت بشباب مصر وخيره نخبه لان البقية متواطئون.
وما رأيت أنذل من الأحزاب التونسية التي يسمي بعضها نفسه بالتيار الديموقراطي وبعضها بالأحزاب اليسارية وبعضها بالأحزاب القومية وبعضها بالأحزاب الليبرالية وكلها في الحقيقة لا يجمع بينها ولا تتكلم إلا في نفي ما تنسبه لنفسها من فضائل كذبا وزورا عن عدوها الوحيد ثقافة الشعب وكرامته.
خبرتهم واحدا واحد لما شاركت سنة واحدة في المجلس التأسيسي. تونس هي آخر همومهم.
همهم الوحيد كيف يزيحون من يعتبرونه أقدر منهم على أن يكون مسموعا من الشعب. ولما كانوا يعللون مسموعيته بكونه يعتمد على ثقافة الشعب صارت هذه عدوهم الأول. ويعلمون أنهم يكذبون على أنفسهم. فمعايير الشعب غير.
وقد ظللت أتابع الساحة الفكرية في تونس بعد أن اعتزلت السياسة التي مارستها دون انتساب لحزب لا إسلامي ولا غير اسلامي فرأيت مجموعة من الشباب والكتاب النبلاء المستقلين عن الاحزاب ومافياتها من كل جهات تونس ومن كل الاختصاصات.
فمنهم المختص في علم الاجتماع ومنه المختص في الفلسفة ومنه المختص في الادب ونقده ومنه المختص في القانون والاقتصاد. وكلهم بمواقف مبشرة بأن لتونس بعض النخب التي تطلب الحقيقة ولا تقصر الامر على التنافس المقيت بين أمراء الحرب السياسية. فقد اكتشفوا علل فشل هذه المافيات التي تتصور أن خصمها يستمد قوته من الدين وليس من علاقة مختلفة مع الشعب لا تتأسس على الوصاية ولا تعادي ثقافته وتراثه وتقاليده عامة مثله في دعوى الحداثة والنمط الاجتماعي الذي يدعون تمثيله والخوف عليه.
لا أحد من جنرالات العسكر المكسيكي الذي يسمى أحزاب اليسار والتيار والقوميين والليبراليين سأل نفسه كيف يمكن لأحد أن يخطب يد الشعب ليصوت له وهو يحتقره ويحتقر ثقافته ويعتبر نفسه وصيا عليه يريد تغييرها بدلا منه باستعمال قوة الدولة التي لم تبق دولة لأنها صارت اقطاعيات مافيوزية؟
في هذه الحالة لا يمكن أن يحكم مثل هؤلاء إلا بالعنف أي بأجهزة الدولة التي يريدون استعمالها كما استعملها ابن علي وكما يستعملها السيسي وحفتر وصالح والحوثي وحزب الله وكل الذين لا يؤمنون بأن الشعب راشد وله حق اختيار حكامه بإرادته الحرة. لذلك فكلهم ينتظرون البيان رقم 1.
ومن يصدق كلامهم عن الديموقراطية والتنوير والحرية والكرامة ومن يسمع جعجعتهم في وقاحة اللسان الطويل في المجلس يتصور أنه بحضور أكبر مفكري الديموقراطية والحرية والكرامة والعدالة وكلها مستحيلة بالنسبة إلى من صار مصلحا دينيا وليس مجرد مرشح لتسيير الشأن العام.
ويخطئ من يتصور أنهم يتكلمون على الهوية والدين نكاية في النهضة في تونس أو في الاخوان في مصر بل هي عقلية الاستبداد السياسي والثقافي التي تجعلهم يتصورون أنفسهم أوصياء على الشعب وعلى كل شؤونه الروحية والمادية وعلاقته بأسرته في بيته وخياراته في تربية أبنائه: هم رب الدنيا والآخرة.