هل تجوز المقارنة بين بورقيبة والمرزوقي ؟

صالح التيزاوي
شكّل تصريح السّيّدة محرزيّة العبيدي على خلفيّة المقارنة بين بورقيبة والمرزوقي مناسبة لسجال بطعم الحملات الإنتخابيّة المبكّرة في وسائل إعلام منحازة بالكامل للمنظومة القديمة وامتدت إلى شبكات التواصل. فهل تجوز المقارنة بين الرّجلين؟
بداية، بورقيبة في ذمّة اللّه، رحل بما له وما عليه، وهو أيضا على ذمّة التّاريخ، نناقش أفكاره وتوجّهاته التي تبقى موضوعا للبحث والنّقاش دون إساءة ودون قداسة أيضا، كما يحاول بعض الإنتهازيين من عصابة سبعة نوفمبر الذين لم يتجرّؤوا على زيارته في محبسه ولم يسيروا حتّى في جنازته خوفا وطَمعا… قمّة الكذب وهو أحد أركان النّفاق أن يتباكوا اليوم على ميراث بورقيبة ويرفعون شعار “يحيى بن علي”!!!
بورقيبة حكم البلاد حكما مطلقا ثلاثين عاما، جمع كلّ السّلطات بين يديه، لم يكن يشبهه في نفوذه سوى المقيم العام الفرنسي. لذلك لم يتورّع عن اغتيال صالح بن يوسف كما اغتالت فرنسا حشّاد. ولم يتردّد في قمع الإحتجاجات وقتل متظاهرين عام 1978 وعام 1984 فيما عرف بثورة الخبز. لقد أتيح له من الإستقرار ومن الزّمن ما يكفي لوضع تونس على سكّة التّحديث الحقيقي على نحو ما وقع في أقطار كثيرة في العالم. غير أنّه انشغل بالزّعامة وتمجيد نفسه والإستمتاع بتمجيد الإعلام له على حساب قيم الحداثة الحقيقيّة، التي لم تكن في يوم من الأيّام في مخطّطات الزّعيم، فهو يرى شعب تونس غير جدير بالحرّيّة ولا بالدّيمقراطيّة، ويرى نفسه فوق المنافسة، وليس لأحد أن ينافسه على السّلطة. فهل كان ذلك تنفيذا لإرادة فرنسا؟
يباهي بورقيبة بأنّه ملّك شعب تونس “المادّة الشّخمة” وحرّر المرأة ونشر التّعليم وهذا صحيح. وأعتقد أنّ ذلك من واجبات الدّولة ومن أولويّاتها، خاصّة عندما يرث الزّعيم من الإستعمار “غبار مجتمع بشري”. يقول بعض من يدّعون الإنتساب إليه: “لولاه لكنّا أهل الشّمال والجنوب رعاة للماعز”.
في تناغم تامّ مع موقف” الزّعيم” من ساكني الجهات التي أراد لها الحرمان “لا تجوعوهم ولا تشبعوهم”. ألا يعلم هؤلاء الجهلة أنّ “الماعز والغنم” ثروة حيوانيّة؟! يقال أنّ الدّنمارك صنعت من مليون بقرة حداثتها. ثمّ ألا يعلمون أنّ الأنبياء وهم سادة البشر جميعا وصفوتهم، كانوا رعاة!!!
بورقيبة، نشر التّعليم، ولا أحد ينكر له هذا “الفضل”، ولكنّه ألقى بالمتعلّمين في السّجون، ورمى بطلبة الجامعات في “رجيم معتوق”، عندما طرقوا أبواب الحرّيّة، وعندما طرقوا أبواب الإصلاح، وعندما عبّروا عن وجهات نظر، اعتبرها الزّعبم وبطانته، تشكيكا في “زعامة الزّعيم” وخروجا على نهجه في الحكم. َحتّى المرأة التي يقول بأنّه حرّرها، لم تسلم من الأذى والتّنكيل، عندما أصبح لديها رأي مخالف لجناب العاهل “سيّد لسياد”، الذي لا يقبل تعقيبا على رأيه ولا خروجا على نهجه!!!
أمّا الدّكتور المنصف المرزوقي، المناضل، والحقوقي، والمعارض السّياسيّ، والمثقّف الذي أثرى الفكر التّونسي والفكر العربي الإسلامي والفكر الإنساني بعشرات االكتب ومئات المقالات في السّياسة وفي الطّبّ وفي الأدب، عندما انتخب من المجلس التّأسيسي رئيسا للجمهوريّة، أعلن أنّه رئيس لكلّ التّونسيين “للمحجّبة وللسّافرة” ولكلّ الطّبقات، وليس لجهة أو فئة. وعندما خرج من الحكم بعد ثلاثة أعوام بطريقة ديمقراطيّة، هنّأ خصمه، وعاد إلى صفوف المعارضة منحازا لتجربة تونس في الإنتقال الدّيمقراطي ومنحازا دائما للحقوق والحرّيّات. فهل يستويان مثلا؟!

Exit mobile version