مجزرة على نغمات القانون
فتحي الشوك
في أحد أيام يوليو 2017 قال القاضي لمحمود وهو يعبث ببعض الأوراق: “أنت اعترفت”.
فردّ محمود: “أمدّني بصاعق كهربائي وسأجعل أيّ كان يعترف حتّى بقتل السّادات، ما تلقّيناه من كهرباء يكفي مصر لعشرين سنة.”
تجاهل القاضي ما قاله محمود واستمرّ يستمع لبقية المتّهمين والشهود في قضية النائب العام هشام بركات.
هو قاضي الإعدامات المستشار حسن فريد الّذي افتتح الجلسة بخطبة عصماء طويلة، قال في ديباجتها: “نحن قضاة مصر ليس لنا علاقة بالسياسة بل نحكم فى القضية بالأدلة والقرائن والبراهين والشواهد، وإن واقعات الدعوي حسبما استقرت ووقرت فى يقين المحكمة واطمأن لها وجدانها وارتاح لها ضميرها، مستخلصة من أوراق الدعوى وما حوته من مستندات وما دار بشأنها فى جلسات المحاكمة”.
لينطلق ليتحدّث عن المؤامرة الكونية الّتي تتعرّض لها مصر والفرقة الضّالة وتجّار الدّين الّذين لفظهم الشعب المصري في ثورة 30 يونيو.. ليستشهد بآيات قرآنية وأحاديث نبوية تثبت ضلالة هؤلاء وصحّة نهج نظامه ثمّ ليعرّج على مؤامرات قطر وتركيا وحماس وليخوض في أدق تفاصيل السياسة ليذكّر من جديد أنّ القضاء المصري الشامخ يعمل ياستقلالية بما يمليه عليه ضميره وهو بعيد عن السّياسة ولا يتلقّى تعليمات من أحد.. وفي خضمّ هذه الخطبة الطويلة الجميلة يضمّن بعض القرائن والإثباتات التي تدين المتّهمين الّذين في النّهاية اعترفوا بتخطيطهم وتنفيذهم لعملية إغتيال النّائب العام هشام بركات والإعتراف هو سيّد الأدلّة.
ليحكم في النهاية على محمود و27 آخرين من خيرة شباب مصر بالإعدام و 15 بالمؤبّد و 8 بـ 15 سنة و 15 بـ 10 سنوات سجن.
خطبة أثارت حينها موجة سخرية عارمة نتيجة للتلعثم والأخطاء اللّغوية الفاضحة والقراءة الخاطئة للآيات القرأنية وكأنّ الخطيب ليس على دراية بأبجديات اللّغة العربية وهو أمر طبيعي باعتبار أنّ اختيار القضاة في مصر يتمّ بالوراثة وحسب درجة الموالاة للنّظام الإنقلابي وأغلبهم من جماعة ما يعرف بتحت الخمسين في المائة وهم من يديرون البلد ويتصدّرون المشهد..
محمود الأحمدي شاب يبلغ من العمر 23 سنة وهو طالب بكلّية اللّغات والترجمة حكم عليه بالإعدام صحبة أخيه أحمد مع 26 شاب آخر أغلبهم طلّاب جامعات وفي الغالب من المتفوّقين أي فوق الخمسين في المائة.
المستشار حسن فريد كهل يبلغ من العمر 64 سنة في رصيده 64 حكم بالإعدام ومئات الأحكام بالمؤبّد وهو يعتبر حسب الإعلام المصري القاضي الإنساني الرّحيم وهو كبقية قضاة مصر له ابن يسير على خطاه لتستمرّ المسيرة العظيمة لقضاء مصر الشّامخ.
اليوم 20 فبراير 2019 تمّ نقل محمود الأحمدي وإسلام مكاوي وأحمد حجازي إلى غرفة الإعدامات إلى جانب 6 أخرين في سجن العقرب. ويبدو أنّ النّظام المصري الفاشي الإبادي قد رئف بحال عائلة الأحمدي ورقّ قلبه لها فأحمد لن يعدم مع أخيه في نفس اليوم.
اليوم سيتمّ تصفية 9 من شباب مصر بالقانون كما تمّ تصفية 6 في الأسبوع الماضي بالقانون أيضا إلى جانب التصفيات الميدانية لعشرات الأخرين على وقع الدبكة بدون نقرات القانون الجميلة.
ألاف من الضّحايا وإعدامات بالجملة في انتهاكات جمّة لحقوق الإنسان لم تشهدها مصر من قبل ليستمرّ النّزيف وليستمرّ معه صمت عالم منافق يكيل بمكيالين.
هذا هو المثال المصري الّذي أراد البعض أن يستنسخه في تونس ومازال يحاول ذلك، ناقشت “حكوكيا” “حداثيا” مستنيرا ذات مرّة حول ما يجري في مصر فأفحمني بجوابه حينما قال إنّهم 100 مليون ولن يضرّهم أن تخلّصوا من مليون أو إثنين أو حتى 5 اعتبرها طريقة لتحديد النسل.. فأسقط ما بيدي وبقيت شاردا “مزبهلّلا” إلى يومنا هذا. تبّا لعمى الألوان.
أيّ تشوّه أصاب الانسان في مقتل.