الخال عمار جماعي
قال دبشليم الملك لبيدبا الفيلسوف: “قد ضربت لنا مثل القوم يقولون بالشيء وضدّه، فأضرب لنا مثل من ضيّع حاجته فأكله النّدم.
قال بيدبا الفيلسوف: “ليس للمرء حين يرى غرائب الدهر الخؤون إلا أن يعتبر.. وسوف تقول العرب في حكمتها “الصّيفَ، ضيّعت اللّبن” ولو اعتبر الناس بدهرهم ما تعثّر خطوهم واجترّوا هفواتهم كأنّما أصابهم الفند فغدا النسيان متسرّعا إليهم فيكون مثلهم كمثل “من أطلق الطير وجرى تحته”.
قال الملك: “وكيف كان ذلك ؟”
قال بيدبا: “زعموا أن أهل تونس عندما انفتحت لهم سماء الحرية وابتدعوا فكرة “الديمقراطية”.. وهي يا مولاي ضامنة عندهم للسلم وكافلة للحقّ ومجال يضطرّك حتّى لسماع الأحمق.. هرع جميعهم لرفع عقيرتهم بالحقّ في الدفاع والتمثيل وانشاء الهيئات. وإنتظم المنفلت واتّحد المنبعج واجتمع المشتّت.. وظهرت لِفئة منهم سلخت جلود الناس وأثخنت جراحهم وغلّقت أفواههم واستباحت حُرماتهم وأفحشت في أعراضهم ومزّقت أسرهم وبطشت بهم أي بطش.. أن تصطنع هيئة تدفع عنها ظلم الحاكم ولا بأس أن تلعق بعض عسله.. فحاكم تونس آنئذ مفتوح الفخذين ولا يتدلّى منه شيء !.. وسمّوا هيئتهم “النقابة الأمنيّة” ولمّا عاتبوهم في ذلك وقد كانوا أذلّة بوّالين في سراويلهم عقب الزّلزلة، قالوا: “لئن لم ترضوا بنقابتنا لنتركنّ “الدواعش” تفعل بكم أكثر من فعلنا”.. والدواعش شيء كالغول يخيفون به الصبيان.. استكان القوم للأمر وتهامسوا بين غصصهم: “لا يضرّ، في الهمّ ما تختار !”.. فلمّا رأوا منهم ذلك علموا ضعفهم وقلّة حيلتهم فعربدوا أيما عربدة.. طالت ألسنهم على السلطان وتصعلكوا على القضاء وأحرجوا الدولة بإخراج أسرارها وعادوا يفرمون الناس فرمًا كدأبهم أول مرّة ويطلبون -كالفتّاك وقطًاع السبيل- الأتاوات على السّابل أو قاضي الحاجة.. ولمّا سقط منهم صرعى جعلوا من دمهم ذريعة لزيادة معاشهم وإبتزاز بيت المال والناس جوعى !! والعجب العجاب يا مولاي أنّ السلطان قد اشترى صمتهم بالوعد وأخذ عهدا بإرضائهم !!.. وبرزت أنيابهم وضخّموا من بطولاتهم ونفخوا بلَغْوِهم وهذرهم في كلّ مشهد “ما لا يتدلّى عند الحاكم ويتدلّى عند خلق الله”!!.. والناس في كلّ هذا بين خائف ومهادن ومغلوب على أمره… ولنا في أهل تونس عبرة المعتبر.. فقد قالوا مثلا لم يعملوا به..
“الخال”