تحولات حركة النهضة بعد الثورة

عز الدين عبد المولى
خلاصات فصل في كتاب جديد
صدر قبل أيام قليلة عن منتدى الشرق كتاب جديد باللغة الإنجليزية بعنوان “تحولات الإسلام السياسي في محيط إقليمي متغير” كان لي فيه فصل عن تحولات حركة النهضة بعد الثورة التونسية ذيلته بخلاصات ترجمتها في النقاط العشر التالية تعميما للفائدة وتوسيعا للنقاش:

  1. التحولات في حركة النهضة تحدث بشكل ديناميكي مستمر نتيجة التفاعل اليومي مع الواقع السياسي – الاجتماعي المتغير الذي أفرزته الثورة. في هذه المرحلة يصعب التمييز بدقة بين التحولات التي يمكن اعتبارها تطورا طبيعيا في وضع الحركة وبين تلك التي أملتها عوامل خارجية وفرضتها ضرورات الواقع وضغوط منظومة ما بعد الثورة. ومع ذلك يمكن التأكيد أن هذا المسار التغييري لم يكتمل بعد وهو غير قابل للعودة إلى الوراء كما أنه مفتوح على نهايات غير معلومة.
  2. هذه التحولات تقدمت كثيرا وأدركت نقطة اللاعودة وتجاوزت المستوى الذي يسمح للمشككين بالطعن في حقيقتها. فهي لم تعد من قبيل الممارسة التكتيكية بل تعبر عن نقلة استراتيجية.
  3. 3. هذه التحولات تحدث في مختلف مجالات الإسلام السياسي في تونس دون استثناء، فهي تطال الأيديولوجيا والثقافة والهيكلة والمواقف السياسية والاستراتيجيات العملية كما تمس التموقع السياسي والاجتماعي.
  4. تحدث هذه التحولات في المجالات المذكورة بمستويات مختلفة وسرعات متفاوتة وأعماق متباينة. فإعادة التموقع السياسي والاجتماعي على سبيل المثال يحدث بأسرع من التحول في الأيديولوجيا أو الثقافة السياسية أو البنية التنظيمية.
  5. ينعكس هذا التفاوت في السرعات في شكل هوة تتسع باضطراد بين القيادة والقاعدة من ناحية، وبين النخبة القيادية فيما بينها من ناحية أخرى. فالغنوشي مثلا أو العريض أو الجلاصي أو زيتون أو عبد السلام يتحركون ويفكرون بسرعات غير متوازية أو متكافئة.
  6. إن سياسة الباب المفتوح النسبية التي تنتهجها الحركة على المستوى التنظيمي، لا تحمل معها فقط مزيدا من الأعضاء وفئات اجتماعية جديدة إلى دوائرها، وهو ما من شأنه أن يسهم مع مرور الوقت في إعادة تشكيل ديمغرافية النهضة والتأثير في هويتها، بل تحمل معها أيضا ثقافة سياسية وحزبية جديدة مختلفة عن الثقافة “الأصلية” القائمة على مقولات المبادئ والأخلاق والتضحية والقيم الإسلامية.
  7. رغم أن هذه التحولات هامة وبعضها يعتبر جوهريا مقارنة بما حدث من تحولات أقل أهمية في حركات وأحزاب تونسية أخرى شهدت جراءها انقسامات وحالات من التفكك، إلا أن النهضة تمكنت إلى حد الآن من الحفاظ على وحدتها. ولكن لا أحد يمكنه في الوقت الحاضر التكهن بالمدى الذي يمكن أن تصمد عنده هذه الوحدة في المستقبل، خاصة إذا طال التغيير القيادة العليا للحركة.
  8. رغم أن هذا المسار التغييري واسع النطاق وقد يكون بعيد المدى والأثر، إلا أن ما يقع توثيقه منه وبلورته في شكل مقاربات نظرية محدود جدا. فأغلب هذه الأفكار ما تزال وليدة في شكل نقاشات داخلية صلب مؤسسات الحركة، أو بين مجموعات صغيرة متقاربة الهوى والرؤى، أو في شكل همّ فردي لدى بعض القيادات. من بين الموضوعات التي تحتاج إلى توسيع النقاش حولها وتعميقه على سبيل الذكر لا الحصر موضوع الانتقال من الإسلام السياسي إلى المسلمين الديمقراطيين.
  9. إذا أخذ هذا المسار التغييري مداه، ولم تنتكس التجربة الديمقراطية التونسية الناشئة، فإن حركة النهضة ستشهد مزيدا من التحولات بعضها لا يمكن التنبؤ به شكلا ومضمونا، وربما نشهد ولادة “نهضة جديدة” على أنقاض “النهضة القديمة” كما تهمس بعض النقاشات داخل الحركة.
  10. عمليا، الفصل الكامل بين الدعوي والسياسي وتخصص النهضة في العمل السياسي الحزبي المدني يعني أن الصورة القديمة للحركة ستختفي بالتدريج. وسيكون لذلك أثر في مسيرة الإسلام السياسي في مجاله العربي خاصة. فكما مررنا في السابق من تجربة الحركة الشمولية التي تنشط دون حزب إلى تجربة الحركة التي تلد حزبا ليعيش في حضنها، سنمر مع هذه التجربة إلى مرحلة الحزب الذي يقتل حركته.

Exit mobile version