مصر: تعديلات على وقع الإعدامات

صالح التيزاوي
تجري الإستعدادات حثيثة في مصر هذه الأيّام لإدخال تعديلات على دستور أعدّه النّظام الإنقلابي نفسه وسط “بروبقندا” إعلاميّة، تروّج لجدوى التّرفيع في مدّة ولاية الرّئيس من أربع إلى ستّ سنوات، قابلة للتْجديد إلى أجل لا يعلمه إلّا اللّه. قائد الإنقلاب “الزّاهد” جدّا في الحكم أصبح يخطّط للبقاء في الحكم مدى الحياة بذريعة أنّ أربع سنوات لا تسعفه لتحقيق برنامجه… برنامج لم ير منه الشّعب المصري سوى القتل والإنتقام من الثّورة ورموزها وتصفية معارضي الإنقلابي وغلاء المعيشة وتكميم الأفواه.
وتأتي التّعديلات التي يريدها النّظام الإنقلابي، وسط مناخ من البطش منقطع النّظير لم تشهد له مصر مثيلا حتّى تحت حكم سابقه. بطش طال معارضي الإنقلابي كما طال مقرّبين من النّظام ومن ساعدوه على انقلابه (المخرج السّينمائي خالد يوسف نموذجا). حيث تتاوتر الأخبار عن أحكام جماعيّة بالإعدام، بدأ النّظام الإنقلابي فعليّا في تنفيذها وسط صمت دوليّ مريب.
لقد إختار النّظام الإنقلابي سياسة الهروب للأمام، لقد اختار مواجهة الأزمات المستفحلة في البلاد (حقوقيّة ومعاشيّة) بمزيد من الإستبداد على نحو ما قال أبو نواس”داوني بالتي كانت هي الدّاء”، وعلى نحو ما فعله الفراعنة طيلة فترات حكمهم بشعب مصر من تنكيل واستعباد. فهل كتب على مصر أن تخرج من استبداد لتدخل في آخر أشدّ وأنكى من سابقه؟ أم هي لعنة الجوار للكيان الصّهيوني؟ يضطهد الشّعب المصري وينكّل به حكّامه حتّى يأمن الكيان الغاصب!!!
يقول محمود إبراهيم “محامي النّظام الإنقلابي”: إنّ الدّيمقراطيّة لم تعد من أولويّات الشّعب المصري. فهل بات الإستبداد خيار الصّهاينة والغرب في مصر؟
مازال العالم يستحضر صورة الفتاة المصريّة في ميدان التّحرير ليلة الإعلان عن تنحّي مبارك استجابة لمطلب الثّورة، وهي تبكي فرحا “لاخوف بعد اليوم… لا ظلم بعد اليوم”. ولم يدر بخلدها ولا بخلد غيرها أنّ من قدّم نفسه حاميا للثّورة، كان يعدّ محرقة للثّورة لا تخطر على بال أكبر مجرمي التّاريخ، بمباركة صهيونيّة وضوء أخضر غربيّ وأموال سعوديّة وإماراتيّة.
يدرك السّيسي أنّ الشّعب المصري لم يعد يثق به بسبب كذبه المتتالي، ولم يعد يثق بحكم العسكر الذي أفسد الحياة السّياسبّة منذ حكم “عبد النّاصر”. ويدرك أيضا أنّ دائرة الرّفض لحكمه، قد اتّسعت ولم تعد قاصرة على رافضي الإنقلابي فقط. كما يدرك أنّه أعجز ما يكون عن الوفاء بأيّ من وعوده الكاذبة عشيّة الإنقلاب على أوّل رئيس منتخب في تاريخ مصر القديم والحديث. ويدرك أيضا أنّه ليس بإمكانه إيقاف الإنحدار الرّهيب للدّولة المصريٍّة على جميع الصّعد. كما يدرك أن الإنفجار الإجتماعي آت لا محالة وأنّ صبر النّاس قد نفد، فهرول إلى تعديل دستوري، سيحظى بمباركة برلمان صوري حماية لرأسه من كلّ أشكال الملاحقة والمحاسبة، بعد أن انفضّ من حوله حتّى مؤيّدوه ولم يعد يثق بأحد، حتّى بالمؤسّسة العسكريّة. لقد أضحى قائد الإنقلاب، يتصرّف في مصر أكثر من رئيس، وأكبر من عاهل، بل كفرعون جديد على شعب مصر، بعد أن جمع كلّ السّلطات بين يديه، ولم يعد يحول بينه وبين الإستمرار في حكم مصر إلّا الموت.

Exit mobile version