أنا من أنصار حفظ القرآن بدون فهم
وليد حدوق
الردود اللي شفناها اليوم على موضوع الرقاب، لا تصبّ إلاّ في مصلحة إفراغ البلاد من مقوّماتها الروحيّة التّاريخيّة والتي أدّت تاريخيّا إلى انتشار الريق الدّعوي الفضائي على حساب تقليد الفقه والقرّاء في تونس.
أنا من أنصار حفظ القرآن بدون فهم، حفظا تلقينيّا تقليديّا، باللوح والإملاء، على الحصيرة، ومش صحيح إنّه ثمّة شكون فهم القرآن وهو يحفظ فيه… هذه خرافة. والمنهج التّعليمي التّونسي منذ الاستقلال لا يسمح إلاّ بفتح البلاد والمجتمع لتأثيرات السلفيّات الأعرابيّة الأشدّ كفرا ونفاقا بأنواعها. إذ قلّما يتواجد في تونس إمام خطيب ولو كانت له دكتوراه أكاديمية في الشريعة يتقن القراءات، ويشرح الموطّأ ورسالة ابن أبي زيد، ويحفظ الأسانيد ويكافحها ويكافح آراء الأئمّة الأربعة وغيرها من المذاهب إباضيّة وشيعة إن وجدوا، وهذا مطلوب ولا يكون الفقيه فقيها بدونه. وكلّ خطابات التّجديد الدّينيّ التي استخفّت بالنّقل بتعلّة إعمال العقل وحده، إنّما تهاوى سلطانها على النّاس بسبب خطاب تحديثيّ بارد ترك السّاحة فارغة للسّلفيّات الأعرابيّة التي نفت غيرها لصالح خطاب اختصر المعروف الفقهيّ في خمسة عشر قرنا في تصوّر أوحد عن النبيّ والصّحابة والتّابعين والعلماء وأقوالهم.
إذا كان ثمّة من ردّ على حادثة الرقاب، فهو بناء الكتاتيب لا الهدم، وهو إحياء التعلّم القرآنيّ الفقهيّ كأحد خيارات التّمدرس في الابتدائي والثانوي يُختتم بباكالوريا علوم شرعيّة كما هو الحال في النّظام العتيق في المغرب الأقصى مثلا.. غير ذلك هو تدمير ما تبقّى من مقوّمات لحمة مُجتمعيّة وروحيّة في تونس.