ستّة القصبة وستّة على الضّفّة الأخرى

صالح التيزاوي
في “ستّة” القصبة رأيت حشودا من المربّين، جاؤوا من كلّ جهات الوطن. لم يمنعهم برد الشّتاء ولا حملات التّشويه، ولا تكاليف السفر، حضروا طلبا للعدل: الفريضة الغائبة. تقول تقارير الخبراء أنّ حجم التّهرّب الضّريبي لامس نصف ميزانيّة الدّولة. ورغم ذلك فإنّ إعلام المهرّبين والمتهّربين، يشغل الرّأي العام بخبر مدرسة لتعليم القرآن، ويجعل منها قضيّة العام في موسم انتخابي. في “ستّة القصبة” معركة الوعي والقلم، يخوضها المربّون، شعارها الأبرز: من يريد الإجهاز على المدرسة العموميّة؟ ومن يريد المزيد من الإنحدار للمنظومة التّربويّة؟ ومن يريد للبلاد أن ترتهن لصناديق النّهب الدّولي”؟ وكلّ ذلك لمصلحة من؟
وعلى الضّفّة الأخرى، قبالة وزارة الدّاخليّة “ستّة” أخرى، أثّثها بعض العشرات، أقاموا مناحة شيعيّة، ناب فيها سواد المطرقة والمنجل عن سواد العمامة، وحضرت شعارات الكراهيّة بدل اللّطميّات. مناحة لا تنقطع منذ خمسة أعوام على المغدور شكري بلعيد، ولم يكن المغدور الوحيد. ذات غروب من شهر رمضان المعظّم، زهقت أرواح سبعة من العسكريين وهم يتهيّؤون للإفطار، ولا أحد من البواكي، وقتل العشرات من الأمنيين ظلما وإفسادا في الأرض، ولا أحد من البواكي، ولم نر من يذكرهم حتّى في ذكري رحيلهم عن أهاليهم وعنّا وعن الدّنيا ولم نر من يرفع شعار “من قتل العسكريين والأمنيين”؟ ألا يعني ذلك أنّ جهة القتل واحدة؟ من حقّ الرّفاق أن يبكوا رفيقهم، ولكن ليس من حقّهم أن يتحوّلوا إلى قضاة على أرصفة الطّرقات العامّة. فلو ظهر القاتل بشحمه ولحمه وأقرّ بجرمه لقالوا له: “نم” يا هذا فنحن لا نريدك أنت!!! رأس غيرك هو المطلوب.
في”ستّتهم”، ترى وتسمع إلى أيّ حدّ يصل الظّلم والكراهيّة بالإنسان عندما تحرّكه الأيديولوجيا ومطامع السّياسة اللّعينة. شعار تجمّعهم الأبرز “من لم يكن حاقدا عليهم فلا يدخل علينا”.
في ستّة القصبة اجتماع المختلفين على إرادة الحياة وعلى إرادة العدل، وفي ستّة الضّفّة الأخرى، تجمّع على التّفرقة وعلى الثّأر ممّن لا ثأر لهم عنده. والرّفاق يعرفون ولكنّهم لا يعترفون.

Exit mobile version