كمال الشارني
ذكرى 8 فيفري في ساقية سيدي يوسف هي فرصة متكررة لمقارنة الفوارق بين طرفي الحد الجغرافي المستعصي على مصلحة البلدين، الساقية هي المدينة الحدودية الوحيدة في تونس، بينها وبين مدينة الحدادة الجزائرية 1800 متر: بينهما بستان التين واللوز في وادي سيدي يوسف ومقبرة في المنطقة العازلة، لا أحد من حراس الحدود يجرؤ على إطلاق النار على الكلاب والدجاج والحيوانات التي لا تهتم بالحدود،
الساقية تزداد فقرا ووحشة ليس فقط لأنه لا أحد ساعدها على مقاومة الإرهاب بل خصوصا لأن مبررات البقاء فيها تزداد سخافة، في مقابل سوق أهراس على بعد 36 كم، مدينة أضخم من الكاف بعشر مرات، حركية اقتصادية مذهلة، بنية تحتية تثير الدهشة، محاطة بثلاثة مطارات: عنابة 97 كم، تبسة جنوبا وقسنطينة غربا، وعندها خط سكك حديدية شمال جنوب من تبسة إلى عنابة، وأخر نحو الغرب،
حتى بداية الثمانينات كان سكان الجهتين يتنقلون بلا وثائق دون مشاكل، بورقيبة كان يقضي جزءا من وقته في الكاف شماتة في الهواري بومدين الذي زاره في قصره في الكاف ومازحه بأن الكاف تاريخيا تتبع الجزائر، رد بورقيبة: “خوذها، أما تاريخيا عنابة كانت تتبع تونس”، ليس هناك جزائري يسلم في عنابة مقابل الكاف إلا من أجل مائدة الملك النوميدي يوغرطة، ربما لذلك بقيت الكاف تونسية، لكن الجزائريين يعتبرونها متاعهم، ففيها كان الجزء الأهم من الحكومة المؤقتة والقاعدة الخلفية للقيادة العسكرية زمن التحرير وذكريات محن مخيمات المهجرين، والحقيقة أن الجزائريين حكومة وشعبا على الحد كانوا دائما أكرم منا، أهمها كيف استعدت الشاحنات الجزائرية المحملة بقوارير الغاز منذ ثلجية 2012 لأجلنا، ثم إنهم يتحملون بصبر لا يصدق النهب المنظم لمحطات الوقود في قراهم الحدودية،
في المقابل، يكذب علينا السياسيون منذ 1990 باسم التكامل الاقتصادي على الحدود والمشاريع المشتركة والميناء الجاف والمنطقة الصناعية المشتركة والتبادل التجاري وما تعرفونه وحدكم من أدبيات الكذب السياسي العربي، المصنع الوحيد الذي كتب له أن ينجز كان معمل محركات الصاكمو في الساقية، الذي، والحق يقال أفلسه التونسيون بعد أن كان يشغل 600 شخص بشكل مباشر، ومنذ أن انسحب منه الجزائريون، لم يفلح التونسيون في أن يجعلوا منه حتى محطة وقود مهرب. وفيما تتطور مدينة سوق هراس وأقرب منها المراهنة (26 كم عن الساقية)، فإن الشيء الوحيد الذي تطور في الكاف هي الأحياء العشوائية والبناء الأعوج بلا مرافق خارج أي منطق أو خطة، مقابل اهتراء البنية التحتية وانتشار البطالة والإغلاق التدريجي لشوية المصانع التي لا يمكن تسميتها مصانع إلا من باب الأخذ بالخاطر، وغياب أي شيء يمكن تسميته استثمارا أو مشروعا للنهوض بالمدينة أو الجهة، أما “المشاريع المشتركة بين البلدين” فهي من الخرافات البائسة التي لا يصدقها أحد، حتى أن الجماعة أتعبوا أنفسهم من تونس لكي يدشنوا أنبوب غاز عائلي صغير إلى مدرسة 2 مارس التاريخية التي وقعت فيها مجزرة الطائرات الفرنسية وخلفت 12 شهيدا من التلاميذ،
للتوضيح: الغاز وصل منذ مدة طويلة لتشتغل مطبخ الكنتينة لا غير، الجماعة دشنوه في جو باهت من أخذ بالخاطر لأنه ليس هنا شيء يمكن تقديمه لا للساقية ولا للكاف ولا للجهة أصلا.