خطر التعليم الديني الموازي
محمد المستيري
لا شك أن جامعة الزيتونة بطاقة استيعابها المحدودة وبنيتها التحتية المهترئة، لا تستطيع الاستجابة للحاجة المتصاعدة للتعليم الديني. ولكنها تظل الجهة الجامعية الوحيدة المؤهلة لمنح الشهادات الجامعية الرسمية من إجازة وماجستير ودكتوراه في اختصاص العلوم الشرعية.
ومع ذلك لا تزال الكثير من الجمعيات وحتى الشخصيات تجرؤ على منح الإجازة في إحدى الاختصاصات الشرعية بشكل خارق للقانون، وببرامج وهيئات تدريس لا رقيب عليها. التعليم الشرعي في المؤسسات الخاصة مطلب مشروع، ولكن يجب أن يخضع لرقابة الدولة، مثل باقي المؤسسات التعليمية الخاصة. وتعليم القرآن للصبيان من تقاليدنا التربوية التي يجب المحافظة عليها ورعايتها وتأطيرها من مؤسسات الدولة المعنية. ولا شك أن تجربة الحريات والمواطنة التعددية في تونس يجب أن تسع جميع المقاربات الدينية التي تؤمن بالقانون وتحترمه. فمن يدعو إلى تدين نمطي تونسي، لا يؤمن في الحقيقة بالحق في تعدد المقاربات الدينية، العقلانية والصوفية والدعوية وغيرها.
الجميع يعلم بوجود تعليم زيتوني موازي لتعليم جامعة الزيتونة، والجميع يعلم بوجود مؤسسات دولية تقدم برامج تعليمية دينية، والجميع يعلم بموقف بعض التوجهات الدعوية الإسلامية الرافض للتعليم الرسمي. فإذا كان التعليم الديني الخاص يعبر عن عزلة إرادية ورفض صريح للدولة والقانون، فإنه لا يمكن أن يولد إلا العنف والتطرف. يجب أن تهتم الدولة بحقوق المؤسسات الدينية الخاصة في التعليم، وأن تمنح لمن يحترم كراس الشروط رخص التعليم، ولبعضها ممن ترتقي برامجهم إلى المستوى الجيد إمكانية المعادلة لشهادات الدولة. وإلا فإن سياسة التجاهل والإهمال أو المعاداة المسبقة لهذا المطلب التعليمي الديني المشروع، ستؤدي إلى تنامي فوضى التعليم، وفوضى الغلو في برامجه، وسينبئ بجيل من المتعلمين المتمردين على المجتمع والدولة باسم الدين. وحينها سنعود من جديد إلى مربع الخصومة الموهومة بين الديني والمدني، وستشتد معارك الهوية المفتعلة مع اقتراب المواعيد الانتخابية، لتهدد وحدة الوطن وكرامة المواطنة.