صالح التيزاوي
أن تكون الرّياض والمدارس القرآنيّة تحت عين القانون وتحت رقابة الدّولة من حيث البرامج ومن حيث إطار التّدريس ومن حيث روّادها ومن حيث تمويلها كغيرها من المدارس في المجتمع، فذلك أمر لا خلاف عليه. بل هو مطلوب.
وأمّا أن يتعمّد البعض الزّج بالقرآن الكريم بمناسبة وبدون مناسبة في موضوع التطرّف والإرهاب وفي مواضيع شبهة الشّذوذ الجنسي وتعريض الأطفال للتّخريب النّفسي، بهدف صرف النّاس عن حفظ القرآن وتحفيظه، فذلك أمر مرفوض لكونه لا يعدو أن يكون توظيفا سياسيّا رخيصا وتعبئة أيديولجيّة ضدّ القرآن الكريم خدمة لمشاريع أجنبىّة مازالت تعلن الحرب المقدّسة على هويّة المجتمعات الإسلاميّة مرّة تحت راية الصليب، وتحت راية العلمنة والتحديث القسري مرّة أخرى.
ما إن أثيرت مسألة المدرسة القرآنيّة بالرقاب (وقد تكون مخالفة للقانون) حتّى انتصبت “البلاتوهات” الإعلاميّة وجيء على جناح السّرعة بـ “الخبراء” ليس لمعالجة الخلل والقصور، وإنّما وقع الإنحراف بالموضوع إلى الحديث عن كثرة انتشار المدارس القرآنيّة وعن دورها في تربية النّشئ على الكراهيّة والعنف والتّخريب، وأنّ تلك المدارس تعلّم روّادها ثقافة الموت. وشبّه أحدهم “كرونيكور” مدرسة الرقاب بالشّجرة التي تخفي الغابة، داعيا إلى حلّها دون تفريق بين القانوني وغير القانوني، ومتغافلا عن حقيقة أنّ تحفيظ القرآن وتعليمه من مكوّنات هويّة المجتمع التّونسي ويدخل ضمن نمطه المجتمعي.
كثيرون من أقطاب الفكر الإسلامي المعتدل والمتسامح من أمثال الطّاهر بن عاشور والفاضل بن عاشور والطّاهر الحدّاد ومحمّد الشّادلي النّيفر حفظوا القرآن الكريم في الكتاتيب القرآنيّة و تخرّجوا من جامع الزّيتونة أوّل جامعة في العالم لتدريس العلوم الشّرعيّة والصّحيحة والفلسفة واللّغة العربيّة وعلومها وآدابها. فلماذا الإصرار على الرّبط بين القرآن والتّطرّف والإرهاب؟
إنّ كثيرا من المستبدّين والقتلة في التّاريخ الإنساني، تعلّموا في المدارس أصول المرح واللّهو، ورغم ذلك جنحوا إلى التّطرّف والقتل وارتكبوا أبشع المجازر. فلماذا الإصرار على إقحام تدريس القرآن في مواضيع التّطرّف والإرهاب؟
لقد تعرّض العالم العربي الإسلامي إلى الغزو والإحتلال، تحت راية الصّليب ونهبت ثرواته ولم يربط أحد بين الكتاب المقدّس والإرهاب. ولم يتساءل أذيال الإستعمار ووكلاؤه بيننا:من أين اكتسبوا ثقافة التّوحّش؟. ولم يرجعوها إلى البيئة الدّينيّة التي نشأ فيها أولائك الغزاة.
ستالين أباد الملايين من شعبه، ولم يتساءلوا من أين جاءته ثقافة القتل والإبادة؟ ومن بعده هتلر أباد الملايين من البشر، ولم يطرح السّؤال عن دينه وعن بيئته وعمّا تلقّاه في صغره من علوم دينيّة.
وفي عالمنا العربي اليوم قتل بشّار الأسد مليون سوري أغلبهم من الأطفال والنساء وشرّد ثمانية ملايين فهل تعلّم هو الآخر في الكتاتيب والمدارس القرآنيّة؟ ولماذا لا يتساءلون عن خلفيته العقائديّة والطّائفيّة، ومن أين اكتسب ثقافة التّخريب والذّبح؟
يتبيّن ممّا سلف وبما لا يدع مجالا للشكّ، أن التّطرّف والإرهاب، لا دين لهما ولا جنس لهما ولا وطن لهما، ولا توجد ثقافة أَو حضارة بعينها متخصّصة في صنع الإرهاب وأخرى متخصّصة في إنتاج التّسامح… وهذا هو مدار النّقاش الحقيقي والموضوعي للخبراء والمختصّين لتقصّي أسباب التّطرّف والإرهاب. كما يتبيّن لنا، أنّ القرآن الكريم ارتبط منذ نزوله بالرّحمة وبالعلم وبالتّنوير وإخراج النّاس من الظّلمات إلى النّور. بل إنّ تعليمه يعتبر ضمانة لأبنائنا من التّطرّف ومن ثقافة الذّبح والتّخريب وقطع الطّرقات.