صالح التقاز
هل من مخرج من عنق الزجاجة ؟؟؟
تناولت في الجزء الأول من هذه التدوينة التي أخصصها للتنمية بجهة تطاوين الإمكانيات المتعددة والمختلفة التي تزخر بها الجهة طبيعيا ومعنويا وبشريا وقد كنت أنهيتها بالسؤال التالي: إمكانيات وفيرة فهل وقع إستغلالها وهل وقع الإنتفاع بها ؟
لا يجد المرء، القاطن بالجهة أو زائرها أي عناء لإدراك حالة التهميش والتخلف الضارب في مختلف نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى البشرية إذا ما اعتبرنا أن التنمية البشرية هي مفتاح التنمية المستدامة.
كما لا يصعب كذلك ملاحظة أنه رغم هذا الكم الهائل من الإمكانيات مقارنة بجهات أخرى فإن الجهة بقيت مهمشة فقيرة تعاني من انعدام شبه تام لبنية تحتية دنيا ومن بطالة خانقة أصابت شبابها بالإحباط واليأس مما جعلهم يرتمون في أحضان المجهول هربا من واقع قاس وبحثا عن كرامة مغتصبة.
لقد ساهمت الجهة بفلذات كبدها في تحرير تونس من المستعمر وقدمت قافلة من الشهداء سالت دمائهم الزكية في معارك شرسة واجهوا فيها غطرسة المستعمر معضودة ببعض الخونة اللئام والمرتزقة بإيمان صادق وعزائم فذة وحب لتونس لا يقبل مساومة أو تنازل.
كما شمّر أبنائها عن ساعد الكد والجد لبناء الدولة الحديثة التي تتساوى فيها كل الجهات تقاسما عادلا لثروة وطنية ولتنمية شاملة ومستدامة.
لقد رحل المستعمر وجاء دور البناء الوطني المنشود ولكن ما راع أهل الجهة إلا تبرّم السلطة المركزية لهم وتجاهلهم بل واستثنائهم من “مسيرة الإقلاع” و”البناء والتشييد” وذلك لأسباب بدأ أخيرا المورخون من أبناء الجهة يكتشفون بعض خيوطها.
لم تنل الجهة حقها من البنية الأساسية في كل مجالات الحياة من تعليم وصحة ونقل وتنمية وثقافة مما جعلها بعيدة كل البعد عن اهتمامات المستثمرين وخارج جغرافيا أنشطتهم.
بالإضافة إلى هذا التهميش فقد عُزلت الجهة عن أهم ثرواتها الطبيعية، المحروقات، فقد وقع إدراج أماكن الإنتاج منطقة عسكرية محرّمة على أبنائها ومفتوحة على مصراعيها للشركات الرأسمالية متعددة الجنسيات والعمالة الوافدة من جهات أخرى.
أما بخصوص الموارد الإنشائية التي تزخر بها الجهة فقد وقع التعتيم عليها أولا ثم التفويت في بعضها لمستثمرين يقتلهم الجشع ولا تعنيهم الجهة في شيء ولا همّ لهم إلا الربح السريع يأخذون المواد خاما أو شبه خام ليقع إستغلالها في جهات أخرى قبل تسويقها وتصديرها فلا يصل الجهة إلا التلوث البيئي وما يحمله من دمار للزرع والضرع.
لقد ظلت الجهة ولا تزال مهمشة فاقدة لكل مقومات الإستثمار والتنمية وكل المصالح الحيوية التي تساهم في استقرار المتساكنين في مناطقهم لكي ينعموا بدفء ذويهم ويتمتعوا بشغل محترم وتنمية مستدامة تلبي حاجياتهم دون أن تحرم الأجيال القادمة منها.
إن السلوك السياسي الذي إنتهجته الدولة التونسية في حق أبناء الجهة لا يمكن أن يُفهم إلا أنه إقصاء ممنهج له أبعاده السياسية والجهوية التي إنتهجتها القيادة السياسية كعقوبة لخيارات فرضتها الحرب مع المستعمر في تصور لإدارة المعركة على أساس الهوية والإنتماء من أجل تحقيق الإستقلال ثم بناء الوطن ودولته.
ولكن والحالة على ما هي عليه ألا يحق لنا طرح سوال محوري وهام: أين هم أبناء الجهة من مناضلين ومثقفين ونشطين إقتصاديين في خضم ما حدث لجهتهم؟
كيف كان التفاعل مع هذا التهميش المتعمد وما هي مساهمتهم في التدارك بإمكانياتهم الذاتية وعلاقاتهم الممتدة شرقا وغربا؟
أسئلة حارقة ومهمة سوف أتناولها في الجزء الموالي من هذه التدوينة.
…يتبع