الجمعة 11 أبريل 2025
زهير إسماعيل
زهير إسماعيل

وجوه قديمة بجُمل قديمة… مشهد سياسي عاجز عن التجدّد

زهير إسماعيل
فتحت الثورة مجالا سياسيا ظلّ موصدا لستة عقود من الاستبداد، فعشنا في سنواتها الثماني حياة سياسية حقيقية، وكان هناك اتجاه إلى دمج المراحل وفّرته سرعة هذه الحياة السياسية الجديدة، فعشنا في سنوات معدودات ما لم نعشه في ستين عاما. كأنَّ بنا لهفة لتلافي ما أُهْدِر من “عمرنا السياسي” في ظل الاستبداد والدولة الغنائميّة.
والمهمّ من كلّ ما تقدّم هو أن الحياة الجديدة مكّٰنت كل الطيف السياسي ممثلا بعائلاته السياسية والإيديولوجية من أن يعيش تجربة الحكم وتجربة المعارضة، بما في ذلك الجبهة التي تدعي “عذرية سياسية” مستحيلة.
ونتج عن هذا المعطى الموضوعي حقيقتان :
1. تكافؤ الأدلة في الاتهام المتبادل بالفشل، رغم ما يوجد من فروق واضحة في مدة المشاركة في الحكم وتقلّد المسؤولية. فصار الفشل في تحقيق بعض المطالب والوفاء بأدنى الوعود أعدل الأشياء قسمةً بين الفاعلين ورموز العمل السياسي.
2. استمرار الوجوه نفسها في انتخابات 2014، وقد كان افتقار المشهد السياسي إلى قيادات شابة جديدة وتواصل تصدّر القيادات التقليدية الهرمة العملَ السياسي والظهور الإعلامي من أسباب عزوف الناخبين ولا سيما الشباب منهم.
ونحن نستعدّ لاستحقاقات 2019 مازلنا أمام الوجوه نفسها والسجالات نفسها والقضايا نفسها والجمل نفسها، فالتجديد في السياسات وابتداع الحلول قد ينسينا ملامح الوجوه القديمة وندوبها العميقة. وهو ما يجعل من “إعادة الإنتاج” حالة تشمل الجميع، فلم تفرز المرحلة ولا قيادة سياسية واحدة جديدة، ومن ثم لا برنامج جديدا، إلى حدّ الآن. ويبدو أنّنا سنستمع إلى العناوين نفسها (الدولة المدنيّة، مرجعية الدستور، استكمال بناء المؤسسات، منوال تنمية جديد، مكافحة الفساد، الحوكمة الرشيدة، والتنمية المحلية المستدامة والشاملة، السيادة الوطنية…)، فكأننا أمام برنامج واحد وإن بصيغ مختلفة نسبيا.
لا وجود لوجوه جديدة (حتى السبسي ناوي يترشح!)، ولا بوادر تشير إلى برامج مستحدثة ملائمة وناجعة تساعد فعليا على الخروج من الأزمة.
هي الوجوه نفسها: إمّا متسمّرة في مكانها وباقية على رسومها وطقوسها وجملها وحركاتها وسكناتها، أو هي جوّالة في سياحة برلمانية وحزبية بائسة قد تمكنها من بعض مغنم أو من حضور “فاست – تأسيس” هنا وهناك يمنحها بعض الصور يذوي بريقها بأسرع من “ومضة الفلاش” الذي التقطت على سنا برقه، أو بعض المقابلات الإعلامية الباهتة.
عودة الوجوه إيّاها، وتشبثها بمواقعها كأنها تعيش أبدا، سيكون من بين عوامل “عزوف أكبر” عن المشاركة لا نرجوه في استحقاق يبدو حاسما في تجربة بناء الديمقراطية وأمل المواطنة الكريمة.
نحن بإزاء وجوه لم تَفشل ولم تُهدر رصيدا ثمينا فحسب، وإنّما صارت مانعا من ظهور الجديد.
ما أشرنا إليه هو السطح من أزمة عميقة لطبقة سياسية تهرّمت.


اكتشاف المزيد من تدوينات

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

زهير إسماعيل

ثأر من الثورة والمقاومة *

زهير إسماعيل احتلّت قيمة الحريّة المركز في أدبيّات حركة التحرّر الوطني الفلسطيني، وارتبطت بتحرير الأرض …

زهير إسماعيل

المقاومة المنتصرة بلا غطاء

زهير إسماعيل المقاومة المنتصرة ميدانيا بلا غطاء سياسي عربي وإقليمي انكسارات متتالية لجيش الكيان في …

اترك تعليق