الحضارات الهاضمة وحتمية الوضع الأممي العالمي
زيـاد المـاي
المغول عندما دخلوا الشرق الأوسط احتوتهم الحضارة العربية وهضمتهم، “الحضارات الهاضمة” هي الحضارات المنتصرة والمتشبعة بعنفوانها المادي والمعنوي، مع الأسف هذا الزمان الما بعد حداثي/الأممي من الصعب جدا أن تهضم أمة أمة أخرى مهما تفاوت المستوى الحضاري بينهما.
لو تحدثنا قبل ثلاثة قرون قد يكون الحل في “فلسطين” هو هضم الكيان الاسرائيلي الوافد ديموغرافيا وثقافيا أما الآن هذا لا يكون إلا بشرط واحد هو خضوع الكيان الاسرائيلي لقيم النظام العالمي الحالي الذي بني بالأساس بروح قرآنية وأنوارية ومسيحية معلمنة هذا ما فهمه حكام إسرائيل وقادتها فعندما أحسوا بفشل النموذج الصهيوني وغرقه إما في القومية أو العودة للحلول اللادينية أعيدت الروح للتيارات الأورثودوكسية/اليمينية وتم إقصاء الحركة الصهيونية من كل التمثيليات الدولية بل رفعت عنها الحصانة التي تمتعت بها لعقود وصارت الصهيونية وصمة عار مسحت فيها إسرائيل كل جرائمها التاريخية بعد أن أدخلت عنوة في حركات التحرر الوطني في القرن العشرين،
أما الحضارة العربيةالاسلامية بالرغم من ضعفها لكنها صعبة ومستحيلة الهضم داخل كيان “الأمم الحاكمة في الفضاء العربيالاسلامي” وأعني الفرس والروم بشقيهم (الأوروبي والأمريكي) والروس والاسرائيليين والأتراك.
بل وضعف هذه الحضارة هو سر قوتها فتخففها من “التحضر” جعل وعيها يوما بعد يوم يجنح نحو التكاثر والتوالد والهجرة والانفعال وهي المسالك الأكثر بدائية/فطرية ليس بالمعنى الانثروبولوجي ولكن بالمعنى الحضاري، اليهود قاوموا الانهضام داخل الشعوب بالغيتو المكاني والثقافي، العرب المسلمين على عكس من ذلك وبأعجوبة غريبة كان لهم السبق العجيب والرهيب وهو الانتساب للأمميين هؤلاء الأميين ونبيهم الأممي هذا هو عصرهم عصر الأمميين لذلك في البداية تحدثت عن التحالف القرآني والأنواري الذي بنى قيما تشبه قيم القرآن (القبول بمبدأ التعدد الديني والعرقي واللغوي والقبول بالتفاوت المادي بل بالتدافع الحضاري).
لكن بعد أن اكتشف أصدقائنا اليمينيين في العالم مكر التاريخ المتوجه للمسلمين والقدرة التكاثرية للمسلمين العرب وقدرتهم على الهضم وصعوبة الانهضام كان على هذه الأمم الخمسة أن ترجع للحظة ما قبل “تأميم العالم” أي العودة إلى ما قبل ثلاثة قرون فنكصوا جميعا للقومية والشوفينية والدعوات الأرثودوكسية ليس حقدا وإنما خوفا على هويتهم التي أمّموها وتركوها فريسة في يد المسلمين والعرب المستفيدين جدا من الحالة الكونية والعولمة اليوم التي ساهمت كل الآلة الغربية في امتدادها وقدمت على طبق للعرب المسلمين.
وكأن ثقافة المسلمين العرب استعدت لهذه اللحظة وحتى التخلف الحضاري للعرب المسلمين أعطاهم القدرة على الانتشار البيولوجي الطبيعي فدينهم من دون كنيسة ومن دون عرق مسيطر وحضارتهم المادية تقريبا منتهية ودورتهم الحضارية قد انتهت وقوة تشبثهم بالهجرة والإنجاب وتشتت فضائهم المكاني والزماني جعلهم بالمنطق التونسي “داخلين في الربح خارجين من الخسارة” مقارنة بأمم تناضل من أجل الإبقاء على مكانتها في عالم يتأمم يوما بعد يوم.
لكن لا أعتقد أن الأمم الخمسة ستترك المسلمين في حالة انتشارهم واندساسهم الأممي بل سيحاولون بناء غيتو حضاري وتنموي لبلدان المسلمين العرب حتى يتحضروا ويقل ضغطهم الديموغرافي والثقافي على الأمم الخمسة التي تشاركهم في دينهم أيضا لذلك لا سبيل للأمم الخمسة إلا تحضير المسلمين وتطويرهم وإلا سيبقون عامل إمتداد بدئي وأممي من الصعب مجابهته وهذا رأي العاقلين من حكام الأمم الخمسة.