مسعود يبكي خليقة… وزاد مات حصانو
بشير ذياب
بعد ثماني سنوات من رحيل بن علي، ولا داعي للألقاب أو الصفات فإن شيئا لم يعد يعنينا إن كان رئيسا سابقا أو ديكتاتورا أو مخلوعا، الناس قلقون اليوم على مستقبلهم الغائم الذي تتقاذفه أمواج “سياسة أكاديمي” أو “سياسة ومواهب”.
منذ 2011 مورست علينا كل أنواع المواهب السياسية والإعلامية والثقافية وبما أن الثورات تولد مجنونة على رأي أحد السياسيين، فيبدو أن ثورتنا لن تتعافى من جنونها، بل من جنون نخبها ونقاباتها وسياسييها المصرّون على التنكيل بهذا الشعب الذي تراوحت صفاته بين الشعب العظيم والشعب الجاهل المتخلف.
ماذا يحدث في بلادنا؟ هل نحن فعلا بصدد إنتقال ديمقراطي أم بصدد إنتقال مجنون إلى الإنتحار الجماعي ؟ هل أن الحكومة مدركة لما يقع في مدارسنا ومعاهدنا وكلياتنا أم أنهم يحكمون دولة شقيقة ؟ هل أن ما تفعله نقابات الأساتذة هو هدم ممنهج للمنظومة التربوية منذ 2011، وهل أن المربين الذين يفترض أنهم ضمير المجتمع مدركون لمدى خطورة “الجنون النقابي” الذي تملّكهم ؟ هل أن رئيس الحكومة موجود فعلا في القصبة أم أنه مشغول ببناء حزب جديد لن يكون في فوضى السياسة إلا رقما جديدا، فبنفس المقدمات لا يمكن إلا أن نصل إلى نفس النتائج.
لو سألنا أي مواطن بسيط ماذا أنجزت الثورة، لا أتصور أنه سيتردد كثيرا في الإجابة، أما المثقفون أو دعني أقول النخب، قسيقولون “حرية التعبير” المنجز الوحيد للثورة التونسية، ولا تخرج عن مقولة “قولوا ما تشاؤون وأفعل ما أشاء”، وها نحن نقول كلاما لا يخرج عن إطار جنون الثورة أو جنون نخب الثورة الذي يمارس علينا يوميا في الإعلام والثقافة والتربية والسوق… من فن “النخب المسرحية” في التعري، إلى برامج “البرباشة” في مزابل المجتمع التي تعرض علينا كل ليلة شحنة متعفنة من قمامة المجتمع في معرض مرئي له تسميات مختلفة والهدف واحد يسيرون إليه بكل ثقة في النفس والإمكانيات السمعية البصرية والكفاءة المهنية، قدرة لا محدودة على تدمير ما تبقى من أخلاق وفضيلة وحياء تحت لافتات مختلفة من حرية الضمير إلى حرية التعبير إلى حرية الصحافة، إلى حرية الإضراب… حريات بعضها فوق بعض الجامع الوحيد بينها هو التدمير الممنهج للمجتمع وبالتالي لدولة دفع أجدادنا من أجلها دمائهم رخيصة، ليلعب اليوم بمستقبلها هواة سياسيون أو مجانين نقابيون.
ما هو الحل يا سادتي الرؤساء الثلاثة، أنغلق المعاهد والمستشفيات والإدارات ؟ ألم تقولوا أننا نتاج 3000 عام من الحضارة، أعجزت هذه الدولة الضاربة في أعماق التاريخ أن تنجب رجالا حكماء يوقفون هذه المهزلة ؟ أنا مدرك أن “الهدامون التونسيون” نجحوا نجاحا باهرا في ضرب صورة “الرجل القدوة” أو “الرجل الرمز” كما نجحوا في تدمير كل شيء جميل في حياتنا، وفي مقابل هذا التهديم الممنهج لا نرى من محاولات البناء إلا ما هو عشوائي وفوضوي لا يكاد يخضع لأي قاعدة من قواعد البناء العلمي للمنظومات الإجتماعية أو الإقتصادية أو التربوية… فما هو الحل الذي تبقى لنا اليوم ونحن نرى حكومة مؤتمنة على أمننا وأرضنا وسيادتنا تقف عاجزة عن عودة تلامذتها إلى مقاعد التعليم، ما هو المطلوب منا بالضبط، أن نغادر الوطن إلى بلدان شقيقة أم ماذا ؟
المثل الشعبي الوحيد الذي يعبر عن حالة المواطن التونسي اليوم هو “مسعود يبكي خليقة، وزاد مات حصانو” حتى أبناءنا الذين كنا نأمل أن يكونوا مشروعا جديدا لهذا الوطن يتم الآن تدميرهم أمامنا في صمت مريب من الرؤساء الثلاثة وطواقمهم السياسية والنيابية والرئاسية، أقول قولي هذا وأسأل الله أن يبعث الحياة في حصان مسعود من جديد.