قريبتي من الشمال الغربي
عايدة بن كريّم
عندي قريبتي من الشمال الغربي وعلى وجه التحديد من عين دراهم وتسكن في منطقة جبلية وعرة. وأول مرة زرتها لم أصدّق انّ تونس فيها مناظر طبيعية بتلك الروعة ولم أفهم كيف أنّ تلك المناطق الجبلية وتلك الغابات لا يقع استثمارها في مشاريع سياحية كبيرة.
نرجعو لقريبتي… لمّا تأتي لزيارتي تحشّمني على روحي تجيء محمّلة: عسل وكسكسي ومحمص وفول شايح وثوم وزيت القظّوم ونعناع وكليل وكروية وفلفل أحمر. وتقول لي كلّه من عند ربّي مادام الصحة لاباس الخير موجود.
لمّا تصبّ المطر ويبرد الطقس تكلّمني تسأل على أحوالي. نقول لها “المفروض أنا نسأل عليك من البرد والثلج” تجاوبني “لا أحنا تعودنا وعظمنا استانس بالبرد أما أنتم عودكم رهيف وماكمش مستانسين بالبرد متاعنا”. “أحنا البرد والثلج نخافوا منه كان على دجاجاتنا ونعيجاتنا”… وحتى المقرونة إلّي يعطوهانا نطيبها للدجاجات. بالك تحسابي بالحق نحنا نتلهمقوا على الكرادين. ونجري على الكبابيط متاع الكبابيل.
الصورة النمطية التي يُروّج فيها السياسيون وجماعة خليل تونس على أهلنا بالشمال الغربي هي صورة أُلتُقطت من زاوية حادة وبزوم مُحدّبة. هي ومضة إشهارية فيها الكثير من الإهانة وقلّة الحياء… وحتى الناس إلّي اختاروهم مفروزين بالكعبة.
الشمال الغربي تجاهلته سياسات بورقيبة التنموية التي ركّزت على السياحة الشاطئية من أجل مُكافأة “المُناضلين” متاع الحزب الدستوري الجديد سواء بتوزيرهم أو باستئثارهم بالإمتيازات التنموية. وكلّ الإستثمارات والمنح والقروض استأثر بها الساحل فبُنيت النزل والفنادق (بتوجيهات فرنسية) وبالطبيعة أنفقت الدولة على البنية التحتية (بناء المطارات والطرقات وبعث جامعات…).
السياحة الشاطئية تحوّلت إلى عبء كبير على الدولة وعلى الإقتصاد التونسي منذ ثمانينات القرن الماضي حيث تحوّلت السياحة من سلعة تستهلكها الطبقات المرفهة إلى سلعة جماهيرية يُقبل عليها السائح الأوربي من جميع الفئات والشرائح (وبـ 120 يورو يدفعها في بلده السائح يجي بـ 5 يورو ويبقى أسبوع ويستهلك من المواد المدعومة ويعوم في البيسين ويبزنس ويروّح تاركا خلفه أكوام من الزبلة). لكن الحكومات والأحزاب مُواصلة في نفس السياسات الداعمة لهذا النمط من السياحة خوفا من لوبي السواحلية. ولم تنخرط أيّ من الحكومات في الباراديغمات الجديدة متاع السياحة المُستدامة والسياحة الثقافية والسياحة الإستشفائية والسياحة الصحراوية…
الشمال الغربي خزّان فيه الإنساني وفيه الطبيعي… الطبيعة في تلك المناطق ثروة ممكن لو يقع الإنتباه إليها تتحوّل إلى منجم يضخّ رفاه وتنمية على سكّان تلك المناطق الذين لديهم معارف في كيفية استغلال تلك الثروة (الزيوت الطبيعية والأعشاب والأدوية البديلة).
الموارد موجودة (جبال وعيون استشفائية وأعشاب طبية وهواء نقي ومناظر خلاّبة) لكن هناك إصرار من طرف السياسيين على ترك تلك المناطق “تحت الصفر” لأنها خزّان انتخابي وليس من مصلحة السياسيين أن تخرج من “الظلّ” وتبقى موسومة “وراء البلايك”.