الرّفاق أوفياء لوظيفة تكديس الحطب

صالح التيزاوي
ما أشبه اليوم بالبارحة!!! عندما بيّت حزب بورقيبة، وكان الأوحد في البلاد، توجيه ضربة للإسلاميين خاصّة بعد أن تعاظم صعودهم في الجامعة التّونسيّة وأضحى مزعجا للنّظام ولفسيفساء التّنظيمات اليساريّة، مهّد لضربته بدعاية إعلاميّة مضلّلة من خارج الإعلام الرّسمي (تلفزة وراديو وجرائد) لأنّه يعلم أنّها فاقدة للمصداقيّة. فانتدب عن طريق وزرائه بعضا من وجوه اليسار الإنتهازي للقيام بها…
كنّا في أواسط الثّمانينات بعد ثورة الخبز، عندما قرّر بورقيبة توجيه ضربة للإسلاميين، وعندما كنّا نجتمع في قاعة الأساتذة لتدارس أوضاع القطاع ما كان منها عامّا أو خاصّا، كان الرّفاق يروّجون أنّ “الخوانجيّة” يريدون تحوير مجلّة الأحوال الشّخصيّة لإقرار تعدّد الزّوجات. وعندما نتساءل كيف يمكنهم فعل ذلك وهم مطاردون وملاحقون من النّظام ولا يملكون أيّة آليّة لتغيير المجلّة؟ ودون أن يجيب الرّفيق على سؤالنا يخرج (الممثّل النّقابي) ورقة من جيبه تمّت صياغتها سلفا في المقهى ويطلب منّا التّوقيع على محتوى لا علاقة له بمطالب القطاع من ذلك “ضرورة التّصدّي للرّجعيّة التي تسعى إلى تهديد مكاسب المرأة”. عندئذ يصبج الجوّ ملائما لتسديد ضربة للتّيّار الإسلامي الذي سبّب صداعا للرّفاق في الجامعة.
وفي الحقبة النّوفمبريّة وبعد انتخابات 1989 التي أظهرت انتصارا لافتا للقائمات المستقلّة المدعومة من حركة النّهضة، قرّر بن علي توجيه ضربة قاصمة للإسلاميين، فلجأ إلى نفس “التّكتيك” الذي اعتمده بورقيبة، حملة إعلاميّة لتشويه الإسلاميين، افتتحها حمّة بادّعائه أنّ بحوزته شريطا (صورة وصوتا)، يكشف خطّة النّهضة للتّغلل في الإتّحاد العام التّونسي للشّغل… يتلّقف الإعلام الرّسمي (جريدة الإعلان والصّريح والشّروق والمغرب العربي) الخبر دون تأكّد من صدقيّته لتبنى عليه حكايات مرعبة تتحوّل إلى مسلسل يَوميّ خلاصته أنّ النّهضة تسعى لأسلمة المنظّمة الشّغيلة وسائر مؤسّسات الدّولة… حيلة بائسة ابتدعها الرّفاق لرفع
الحرج الحقوقي على النّظام. عندئذ يحقّ لـ”صانع التّغيير” أن يمارس دوره في حماية مؤسّسات الدّولة و”النّمط المجتمعي” من خطر “الخوانجيّة”. فيعطي كلمة السّرّ لإشعال المحرقة بعد أن كدّس اليسار الوظيفي حطبها وأعلن الغرب مباركتها…
جاءت ثورة الحرّيّة والكرامة وصعدت النّهضة للحكم ولم تتغيّر مجلّة الأحوال الشّخصيّة، ولم تتهدّد مكاسب المرأة بل تعزّزت، ولم تتراجع الحرّيّات ولم نر أسلمة لمؤسّسات الدّولة، ولم نر احتكارا للسّلطة ولا شراهة للإستبداد، بل رأينا إصرارا على تثبيت مبدإ التّداول السّلمي على السّلطة في صياغة الدّستور وفي كلّ المحطّات الإنتخابيّة. فمن الأكاذيب التي كان يروّج لها الرّفاق أنّ الإسلاميين يستعملون الدّيمقراطيّة كسلّم للوصول إلى السّلطة ثمّ يتخلّصون منها.
تغيّر كلّ شيء ويأبى الرّفاق أن يتغيّروا، مازالوا أوفياء لدورهم الوظيفي المشؤوم، في التّرويج للأكاذيب والمغالطات. فها هم يروّجون مع رموز من المنظومة القديمة لمظاهرة نسويّة قيل إنّها من العانسات أمام البرلمان للمطالبة بتعدّد الزوجات، وبدأت حملة الكذب والتّشويه في الإشتغال قبل الإستحقاق الإنتخابي على وقع شعار ماكر ومخاتل “حراير تونس في الإعتصام والجواري يطالبن بالتّعدّد”… عادت حليمة لعادتها القديمة: تخويف المرأة من وهم مكاسبها المهدّدة، حتّى تصوّت لحرّاس الحداثة القشريّة… ليس مهمّا أن يكونوا من المنظومة القديمة، لأنّ “التّناقض الرٍئيسي والثّانوي” الذي ابتدعه الرّفاق يسمح بذلك…

Exit mobile version