قالها إيطالي.. ولم يقلها تونسي..!!!

عبد اللّطيف درباله
صرّح نائب رئيس الوزراء الإيطالي “لويجي دي مايو”.. والذي هو في نفس الوقت وزير التنمية الاقتصادية.. بأنّ فرنسا تجعل أفريقيا أكثر فقرا..
وقال زعيم حركة 5 نجوم الإيطاليّة التي وصلت للحكم مع “الرابطة” بأنّ سياسة فرنسا تقف وراء مأساة المهاجرين في البحر المتوسّط من خلال تهجيرهم من أفريقيا.. مصرّحا حرفيّا بأنّه “إذا كان هناك اليوم أفراد يرحّلون فلأنّ بعض الدول الأوروبية وفي طليعتها فرنسا لم تكفّ عن استعمار عشرات الدول الأفريقيّة”…
وأوضح الوزير الإيطالي السامي بأنّ “هناك عشرات الدول الأفريقيّة التي تطبع فيها فرنسا عملة محلية وتموّل بذلك الدين العام الفرنسي”.. مضيفا أنّه “لو لم يكن لفرنسا مستعمرات أفريقية ـ لأنّ هذه هي التسمية الصحيحة ـ لكانت الدولة الاقتصادية الـ 15 في العالم، في حين أنّها بين الأوائل بفضل ما تفعله في إفريقيا”..
تصريحات ثاني أكبر مسؤول سياسي حاكم في بلد أوروبّي كبير هو إيطاليا.. جار فرنسا.. والشريك معه في الإتّحاد الأوروبّي.. لو قالها شخص تونسي لهاجمته بعض أذيال فرنسا واتّهمته بالغوغائيّة والثورجيّة.. وبالجهل والتعصّب..!!
الحقيقة أنّ دولا وقوى إقليميّة ودوليّة عديدة تقدّم نفسها منذ سنوات.. وكأنّها صديقة لتونس وتعمل على مساعدتها.. لكنّها في الواقع وفي الخفاء تعمل جاهدة على وضع تونس دائما تحت يدها.. وتحت سيطرتها.. ولا تشجّع أيّ حكومة تونسيّة على بعث مشروع وطني كبير من شأنه أن يحقّق لبلادنا بالفعل التطوّر والتقدّم والإزدهار الإقتصادي والإجتماعي..!!
وللعلم فقط.. فإنّه يمكن لدول الإتّحاد الأوربّي بمفردها.. لو كانت صادقة في رغبتها المزعومة للنّهوض بتونس.. أن تخطّط لتمويل مشاريع إستثماريّة كبرى بمبلغ يناهز مثلا 10 أو 15 مليار أورو.. أي ما يعادل حاليّا 35 أو 52 مليار دينار تونسي.. وهو مبلغ لا يعني ماليّا شيئا يذكر للإتّحاد الأوروبّي أو لصندوق النقد الدولي أو للولايات المتحّدة.. وذلك خلال ثلاث سنوات.. لتمويل مشاريع تنمويّة كبرى وثقيلة ونوعيّة.. تحقّق الفائدة والإضافة.. بشكل يقلب الوضع الإقتصادي في تونس رأسا على عقب..
لكنّ هذه الدول الأوروبيّة والقوى العظمى غير راغبة إطلاقا في تحقيق أّيّ نقلة نوعيّة في الوضع العامّ التونسي.. لعدم رغبتها أصلا في تغيير معاناة الشعب التونسي..
وهي لا يعنيها بحال تقدّم بلادنا.. أو خروجها من أزمتها.. أو بلوغها مراتب أفضل..
بل على العكس من ذلك.. يعتمد الإتّحاد الأوربّي وصندوق النقد الدولي والولايات المتحّدة الأمريكيّة وغيرها.. على سياسة “القطرة قطرة” إتّجاه تونس.. فتعطيها إعانات صغيرة ببضع مئات ملايين الدولارات أو الأوروات كلّ سنة.. بالقدر الذي يجعلها فقط “تتنفّس”.. بشكل “لا تموت معه ولا تحيا”..
فالغرض الحقيقي لهذه القوى الأجنبيّة التي تتعامل مع تونس بإنتهازيّة بالغة.. هو المحافظة على الوضع العام في تونس كما هو.. فلا تجعلها تفلس وتنهار.. وفي نفس الوقت لا تجعلها تزدهر وتثرى..
ولذلك لم تنفّذ هذه الدول والقوى أبداً وعودها “المعسولة” التي أغدقتها على تونس بعد الثورة منذ سنة 2011 ببعث “مشروع مارشال” عملاق جديد للنهوض بتونس.. ومساعدتها بعشرات مليارات الدولارات.. من أجل تنميتها.. وتأمين نقلة نوعيّة لها كأول ديمقراطيّة في العالم العربي.. وتحقيق الرخاء بها..!!!
فرنسا بالذّات تعدّ القوّة الأجنبيّة الأكثر نفوذا في تونس من الناحية الإقتصاديّة والسياسيّة والثقافيّة.. وهي تعمل على إستمالة “نخبة” البلاد لخدمة مصالحا الإستراتيجيّة في تونس.. وتعمل على إستقطاب القوى السياسيّة الفاعلة في بلانا للمحافظة على سيطرتها على الوضع العامّ وبقاء تونس كمجال حيوي لفرنسا.. حارصة كلّ الحرص على أن تبقيها متخلّفة ومتردّية ومتعثّرة.. لتكون دائما في حاجة إليها وتحت سيطرتها المطلقة..
وللأسف فقد نجحت فرنسا فعلا في إستقطاب و”تدجين” نسبة هامّة من النخبة التونسيّة في القطاعات السياسيّة والإقتصاديّة والإداريّة والإعلاميّة والجامعيّة والفكريّة والثقافيّة والفنيّة.. كمنظّرين لها.. ومبشّرين بها.. وخدما لسياستها ومطامعها ومصالحها في سائر المجالات والقطاعات..
إنّ أوّل سبل الحلّ والتغيير والخلاص في تونس تبدأ بالتصريح علنا بأنّ بلادنا تعاني سياسة أجنبيّة إنتهازيّة إتّجاهها.. وأنّه على الحكومة والشعب إنتهاج سياسة وطنيّة ترنو في مداها البعيد إلى التخلّص من التبعيّة والنفوذ الأجنبي.. ولا سيما الأوروبّي والفرنسي.. وبعث مشروع وطني كبير وعميق.. يرمي إلى تحقيق المصالح التونسيّة أوّلا وأخيرا..
إذا ما لم تستمعوا لسياسي أو لمترشّح للإنتخابات أو رئيس جمهوريّة أو رئيس حكومة أو حزب حاكم أو أيّ شخصيّة سياسيّة أو رجل إقتصاد أو إعلامي أو مفكّر أو جامعي أو منظّر.. يتحدّث عن ذلك.. ويدعو علنا إلى ضرورة التخلّص من النفوذ الأجنبي في بلادنا.. حتّى دون أن يسمّي دولة بعينها.. وبعث مشروع وطني كبير للتخلّص من الهيمنة والسيطرة الأجنبيّة.. فاعلم أنّه إمّا لا يفقه شيئا في السياسة.. أو هو جاهل بوضع البلاد.. أو هو غير مالك لأيّ رؤية أو برنامج أو معرفة بالدولة.. أو أنّه لا مشروع وطني له للبلاد.. أو أنّه هو نفسه مجرّد ذيل أو عميل للقوى الأجنبيّة المتنّفذة في تونس.. وأنّه بدوره مستعدّ لبيع مصالح البلاد والعباد في مقايضة مع تلك القوى الأجنبيّة مقابل دعمها ليتمتّع بالسلطة والحكم.. وليجني فقط لنفسه لا لبلاده منافع خاصّة أخرى..

Exit mobile version