تدوينات تونسية

صخرة سيزيف

ليلى حاج عمر
شكرت اليوم طويلا تلامذتي الذين ظلوا صامدين في هذا البرد طوال العشيّة بصبر شديد. شكرتهم فكلّ شيء يدعو إلى الغياب: الفوضى والطقس واليأس. ولكنّهم أصرّوا على الحضور (لم يتغيبوا مطلقا منذ بدء الاحتجاجات) وعلى العمل رغم البلّور الذّي يهتزّ مع العاصفة ورغم أبواب القسم التي لا توصد وأبواب التفاوض الموصودة في الخارج.
عملنا معا وكنت أسأل في سرّي عن هذا الحلم الكبير بين جوانحهم الذي يجعلهم مرابطين، وشعرت بالخجل أمام حماسهم وعفويتهم، فكل شيء من حولهم لا يليق بهم: الفضاء المتداعي وصمت الوزارة وعبث العابثين. مع كلّ هبّة ريح تُزعزع القسم أقول لهم مازحة لا تخافوا هذا ليس إعصار كاترينا هذا نسيم عليل، ومع احمرار الأنوف وتجمّد الأصابع أقول لهم بمزاح أكبر لن ننصرف إلّا إذا بلغت الحرارة عشرين تحت الصفر وتيبّست الآذان وصارت قابلة للانكسار، نحن أقوياء لا تهزمنا جبهة برد عابرة. كنت أشعر أننا ندفع بالصخرة إلى فوق لبلوغ ذروة الحياة التي يحلمون بها ولكنّ الحياة تخاتلهم وتطردهم من جنّتها. فهذا التعليم كما هو الآن طارد للأحلام عابث بالمنى قاتل للرجاء. وأكبرت فيهم هذا التركيز على الدرس رغم كلّ الضجيج حولهم: الاحتجاجات والإشاعات والمخاوف والمعارك الوهميّة وأكذوبة تعدّد الزوجات وأنانيات الكبار ولامبالاة الساسة. هل يمكن أن نطلب منهم أكثر وسط هذا المناخ؟ هل يمكن؟
أعتقد أنّ أبناءنا يستحقون تعليما أفضل وفضاءات أفضل ورؤى للتربية وللتعليم أفضل. إنّهم يستحقون تعليما بحجم الحلم الذي في قلوبهم وبحجم الفرح الذي يعدون به وبحجم الوطن الذي ينتظرهم. وخوفي ألّا يوجد هذا التعليم يوما وسط الحسابات الضيقة والتجاذبات التي أوقفت صوغ البديل ووسط الانشغال عنه بالآني وعدم مراهنة الدولة عليه. آنذاك، لن نلوم تلاميذ بهذا الحماس إن فرّوا من كلّ هذا اللامعنى إلى الضفاف الأخرى كنوارس تبحث عن دفء الطمأنينة.
عدت اليوم وبي شعور سيزيف الذي يدفع بالصخرة عبثا، منتظرا ارتدادها إلى أسفل، بعد أن انقطعت أنفاسه، ومدركا أنّه سيعيد دفعها بنفس الجهد، حتّى تنقطع أنفاسه ثانية.

اترك رد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

برجاء دعمنا عن طريق تعطيل إضافة Adblock